غسّان سعود
قبل المحاسبة القضائية، ومعها وبعدها، لا يُمكن تخيل كازينو لبنان من دون ثلاث صفات رئيسة وسمته منذ نشأته قبل قرابة خمسين عاماً. وأولى هذه السمات استيعابه للكثير من أنصار الرؤساء والمسؤولين، ودفع رواتب باهظة لهم رغم غيابهم شبه الكامل عن أي عمل. وثانيها، حقيقة أن بعض السياسيين والنواب السابقين عن قضاء كسروان كانوا يتقاضون رواتب دورية بصفات مختلفة. وثالثها، أنّ ثمة صندوقاً أسود موّل عبر تاريخ لبنان نشاطات الاستخبارات، وخصوصاً للتدخل في الانتخابات النيابية.
وهكذا يستمر الكازينو في شغل الرأي العام، وفي استخدامه وسيلة في الخلافات السياسية. والجديد اليوم، هو ما كشفته مصادر قانونية عن أن النيابة العامة التمييزية أعادت فتح التحقيق بشكل واسع وسري في ملف كازينو لبنان. وتركزت التحقيقات مع بعض أعضاء مجلس الإدارة السابق في الكازينو. وتمحورت أسئلة المحقّقين حول «غرفة العد» التي قيل إن السرقة كانت تُبرمج داخلها عبر قطع الكهرباء عنها بعد جمع كل صناديق الألعاب فيها وتفريغ الأموال لتُحصى، فتنفصل الغرفة عن أجهزة المراقبة، وتحصل السرقة. إضافة إلى ذلك، تحاول النيابة العامة معرفة تفاصيل عن النفقات التي صرفها بعض المسؤولين في الكازينو عبر حفلات خاصة وأسفار إلى الخارج وتقديم هدايا على حساب صندوق الكازينو، ومن دون رقابة من الجهات المعنية.
وتوصلت التحقيقات الأولية، وفقاً للمصادر، إلى اكتشاف خبايا كثيرة عن سرقات حصلت بدون معرفة المراقبين الماليين. فيما يُنتظر أن يستخدم هذا الملف في السجال الحالي بين المعارضة والسلطة فيُحال المُتهمون، ومعظمهم مقرّبون من رئيس الجمهورية إميل لحود، إلى القضاء المختص، ويوقفوا. كل ذلك، بالرغم من أن مجلس الإدارة السابق مكّن كازينو لبنان من الوصول إلى المرتبة الثامنة عشرة في «لائحة الكازينوهات المئة الأكثر نجاحاً ودينامية في العالم خلال عام 2004». ورأى تقرير الاتحاد العالمي للكازينوهات، المعني بالتصنيف، أن مجلس إدارة الكازينو السابق حقق إنجازات، أبرزها ارتفاع نسبة أرباح الكازينو واستقبال أهم الفرق الاستعراضية العالمية وأشهرها. ولفت إلى أن الكازينو منافس قوي لكازينوهات منطقة البحر المتوسط.
اللافت أن هذه المعلومات، إذا صحت، تتناقض مع قرار سابق للنيابة العام أخذته عام 2004 حين أكد القضاء اللبناني عدم وجود اختلاس أو هدر في كازينو لبنان. وقررت النائبة العامة التمييزيّة بالانتداب القاضية ربيعة عمّاش قدّورة يومها، حفظ الأوراق العائدة للملف «لعدم توافر العناصر الجرميّة التي تناولتها معلومات أدلى بها سياسيّون، ووسائل إعلام تحدثت عن وجود «صندوق أسود» في الكازينو توضع موجوداته بتصرّف مراجع رسميّة، وعن هدر للمال العام يطاول عائدات الكازينو». وذكرت القاضية قدّورة التي أجرت التحقيق في الملف بناء على طلب من رئيس الجمهورية اللبنانيّة إميل لحود، في قرارها، أنه لم يثبت من التحقيقات وجود «صندوق اسود» في الكازينو توضع فيه أموال من واردات هذا المرفق العام بتصرف مراجع رسميّة وغير رسميّة، كما أنه لم يحصل تلاعب، أو تحريف، في مجريات العدّ والمحاسبة التي يمكن أن تحوّل قسماً من أموال الكازينو إلى الصندوق الأسود لوضعها بتصرّف أية جهة معنيّة بطريقة غير شرعية. وأكد القرار «عدم توفّر أي دليل على أنّ أحداً من الموظفين أو المسؤولين في إدارة كازينو لبنان قد ارتكب أي عمل مخالف للقانون، أو يشكل جرماً جزائياً، كما أنه لم يتوفر الدليل على أن أي جهة رسمية أو غير رسمية قد وضعت يدها على أموال كازينو لبنان، وتصرفت بها بدون وجه حق وهدرت الأموال العامّة».
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس إدارة الكازينو الجديد خاطر أبو حبيب (الذي كلف بداية برئاسة لجنة إنجاز حسابات كازينو لبنان) نفى وجود أية تحقيقات جديدة. وأكد تفاؤله بحسن سير العمل في الكازينو اليوم بدون العودة إلى ملفات الماضي. وفي السياق نفسه، أكد النائب نعمة الله أبي نصر معرفته الدقيقة بأن المستفيدين من النفوذ السوري كانوا يفرضون نوعاً من «الخوات» في المرحلة السابقة، ويفرضون موظفين بمعاشات عالية، وكان ثمة هدر كبير. ورغم رفض أبي نصر تقديم أية مستندات أو معلومات إضافية، فهو يؤكد أن هؤلاء الموظفين ليسوا جميعاً مؤيدين بالضرورة لرئيس الجمهورية. ويشير النائب الكسرواني في تكتل التغيير والاصلاح، إلى ضرورة أن يستعيد الكازينو موقعه مرفقاً سياحياً يُقدم نشاطات ثقافية مختلفة. ويطالب بأن يعاد العمل بالعرف القديم الذي كان ينص على توزيع ربع عائدات الكازينو على فنادق جبل لبنان، خصوصاً أن الامتياز المعطى للكازينو بحصر لعب القمار فيه، يُمكّنه من «سرقة» زبائن كثيرين.
من ناحية أخرى، يبدو لافتاً أن التحقيقات الجديدة، حسبما أفيد، لم تبحث في أشكال هدر واضحة، تتمثل بحقيقة أن عدد موظفي الكازينو 1105 بزيادة أكثر من مئتي موظف على العدد المطلوب، وأغلبهم من منطقة واحدة. ويدينون بالولاء لعدد من النواب السابقين في المنطقة، وعُيّن معظمهم وفقاً لمحسوبيات ووساطات. وفيما تتراوح رواتب الموظفين العاديين بين 700 ألف ليرة و900 ألف ليرة، يصل أجر عضو مجلس الإدارة إلى ألفي دولار، فيما يبلغ راتب رئيس مجلس إدارة الكازينو عشرة آلاف دولار ما عدا التعويضات الإضافية. واللافت، الذي لا حاجة للتدقيق القضائي فيه، أن هناك ثلاثين مستشاراً، أجر واحدهم يراوح بين ستة وتسعة ملايين ليرة لبنانية، غالبيتهم لا عمل لهم ولا يداومون. ويُضاف إلى هذه جميعها، عدم التدقيق في التكلفة العالية جداً لإعادة ترميم الكازينو والتي بلغت 50 مليون دولار.



جديد... قديم
لم يُقدّم مجلس إدارة كازينو لبنان السابق أية بيانات مالية بين عامي 1999 و2006. لكن رئيس المجلس السابق إيلي غريب عاد وقدم بيانات مالية عن الأعوام الخمسة من 2001 إلى 2005، عند بدء الكلام عن تغيير مرتقب في مجلس الإدارة. ولاحقاً، أنهيت ولاية مجلس الإدارة السابق وفقاً لأحكام المادة 150 من قانون التجارة اللبناني، وانتخب مجلس جديد ضم خاطر بو حبيب ومحمد شعيب، وبنك الكويت الوطني، وعباس الحلبي، وميشال فرنيني، ومنير فتح الله ونبيل كرم. واعتبر المجلس الجديد أن مهمته الرئيسية هي تسوية الخلاف مع وزارة المال في كل الأمور العالقة، ودرس البيانات المالية واتخاذ المواقف اللازم منها في أقرب وقت ممكن وقبل تاريخ 29/9/2006، علماً بأن وزارة المال أصدرت سند تحصيل بقيمة 64 مليار ليرة. لكن هذه المهلة انقضت دون أن يصدر أي موقف علني من نتائج دراسة البيانات. وأوضح الرئيس خاطر أبو حبيب أن العمل جرى أو يجري تباعاً، ومختلف المعلومات ستعلن في جمعية عمومية لإدارة الكازينو.
وكان سبق للإدارة أن أعلنت أن الدخل الصافي بلغ 12 مليون دولار عام 1998، فيما كشف أحد المطلعين أن إيرادات الدولة من العائدات والضرائب والمداخيل غير المباشرة، فاقت خلال السنوات الماضية ثلاثين مليار ليرة سنوياً.
تجدر الإشارة إلى أن شركة إنترا التي يرأسها محمد شعيب تملك 52 بالمئة من أسهم الكازينو (علماً بأن مصرف لبنان يملك 33 في المئة من أسهم إنترا)، وشركة «أبيلا» 17 في المئة، ومجموعة بنك عودة 7 في المئة، ومؤسسة ضمان الودائع ولجنة تصفية بنك المشرق 6 في المئة. والباقي موزع بين عدة مساهمين.



بطاقة تعريف
عام 1954، صدر مرسوم جمهوري قضى بحصر ألعاب الميسر في كازينو لبنان دون سواه. وبعد ثلاث سنوات، أنشئ الكازينو. واحتفل بالتدشين ليلة رأس السنة من عام 1959. وامتد الكازينو على مساحة 26577 متراً مربعاً، وبلغت مساحة المسرح وحده 8060 متراً مربعاً، ويحتوي على ألف و20 مقعداً. وعام 1964، افتتحت صالة «الألعاب الأميركية». بعد عام 1984، انتشر العديد من الكازينوهات في بيروت والمناطق. ومع ذلك استمر الكازينو في عمله لكن لحساب «قوى الأمر الواقع». لكن حروب 1989ــ1990 ألحقت به خراباً هائلاً، وأوقف العمل به.
وعام 1995 وقعت إدارة الكازينو اتفاقية جديدة مع الدولة اللبنانية يُسمح بموجبها «بالاستثمار الحصري لألعاب الميسر على الأراضي اللبنانية كافة. وذلك لفترة ثلاثين سنة، على أن تحصل الدولة على حصة تصاعدية من العائدات، وأن تعتبر ملكية الأرض والبناء والتجهيزات كافة بعد هذه الفترة من الأملاك العامة للدولة».
وأعيد افتتاح الكازينو عام 1996. ووُقع عقد بين إدارة الكازينو والحكومة اللبنانية ممثلة بوزارتي المالية والسياحة. سمح بموجبه للبنانيين بدخول صالات الألعاب الآلية، مقابل منعهم من دخول صالات ألعاب الحظ، إلا إذا كان اللبناني متمّماً لسن الواحدة والعشرين ودخله السنوي يفوق بمئة مرة الحد الأدنى للأجور، أي أكثر من مليوني ليرة شهرياً. ويحمل كل من يدخل إلى هذه الصالات الباهظة التكاليف بطاقة خاصة. ويمنع من الدخول إلى مختلف صالات اللعب أفراد الجيش اللبناني والأمن الداخلي وأمناء الصناديق في الشركات التجارية.