ابراهيم عوض
لم تكد أوساط دبلوماسية متابعة لمسار العلاقات السورية ـ السعودية تبدي تفاؤلها بما أعلن أمس في وسائل إعلامية عن توجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى الرياض اليوم للمشاركة في اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وما قد تشكله هذه الزيارة من خطوة متقدمة للخروج من حال الجمود التي تعتري هذه العلاقات، حتى عادت الى وضع الترقب بعد ان تبيّن لها ان المسافر الى السعودية هو نائب الوزير الدكتور فيصل المقداد مع توضيح من الوزارة مفاده ان مهمته تنحصر في حضور الاجتماع المذكور المخصص للبحث في العدوان الإسرائيلي على غزة ولا برنامج محدداً للقاء مسؤولين سعوديين.
هكذا بدا المشهد بين الرياض ودمشق يجر ذيول ما صدر عنهما من مواقف إبان الحرب الاسرائيلية على لبنان اهتز معها جسر الود وانعكس هبوطاً في حرارة العلاقات حتى أدخلت في دائرة العتب المتبادل بانتظار من يبادر اولاً إلى إعادة وصل ما انقطع.
مصادر سعودية مطلعة تحمّل الرئيس السوري بشار الاسد مسؤولية التردي الذي أصاب العلاقات السعودية ــ السورية متوقفة بصورة خاصة عند نعته قادة ورؤساء بـ« أنصاف الرجال» في خطاب ألقاه خلال الحرب غامزاً من قناة بيان المصدر السعودي المسؤول الذي وصف فيه حينذاك إقدام «حزب الله» على أسر جنديين اسرائيليين بـ«المغامرة غير المحسوبة». وتساءلت المصادر نفسها باستغراب «أهكذا تعامل المملكة التي وقفت دائماً الى جانب سوريا وساندتها ودعمتها أيام الشدائد والمحن فيما كان آخرون يعملون على عزلها والتضييق عليها؟. وهل بمثل هذه الألفاظ يخاطب القادة السعوديون الذين جمعتهم مع الرئيس الراحل حافظ الأسد أطيب العلاقات وأمتنها وحرصوا على الإبقاء عليها مع خلفه الرئيس بشار».
وفيما رأت هذه المصادر احتمال وجود تسرع في البيان السعودي المشار اليه، ذكّرت بأن بياناً آخر أُلحق به بعد ساعات لتصحيح ما فُهم خطأً في البيان السابق. كما أن مواقف المملكة الداعمة للبنان طوال فترة الحرب ومسارعتها الى تقديم المساعدات المالية والطبية والغذائية والإنسانية إليه وإدانتها المتواصلة لإسرائيل لا يمكن أن تفسح المجال بعد ذلك أمام أي تشكيك في التوجه السعودي. كما تشير المصادر عينها الى أن دمشق لم تقم بأي مبادرة يفهم منها الرغبة في معالجة الخلاف الطارئ بين الدولتين.
في المقابل تسارع أوساط سورية معنية إلى الرد على المأخذ السعودي من عبارة «أنصاف الرجال» مشيرة الى أن الرئيس الأسد وفي مقابلة تلفزيونية له، عاد وأوضح أن المقصود منها هو فريق المتخاذلين الذين شكّلوا غطاء للعدوان الاسرائيلي على لبنان من حيث يدرون او لا يدرون، متسائلة في الوقت نفسه: «لماذا أثارت هذه الكلمات غضب القادة السعوديين وحدهم دون القادة الآخرين؟!.
ورأت الأوساط المذكورة أن الموقف الذي ورد في البيان الأول للمصدر السعودي المسؤول من الخطورة بمكان مهما جرت محاولات لتصحيحه اذ اتخذت منه اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ذريعة وحجة لمواصلة الحرب على لبنان التي أوقعت آلاف الضحايا بين شهداء وجرحى وألحقت دماراً هائلاً ببناه التحتية.
ولاحظت هذه الاوساط عدم صدور أي موقف سعودي بعد الحرب يدين استمرار القوات الاسرائيلية في احتلالها لأراضٍ في الجنوب وإبقاءها على آلاف القنابل العنقودية التي أودت بحياة العشرات حتى الآن.
كذلك لم تجد الاوساط السورية المعنية من تفسير لاستقبال مسؤولين سعوديين لنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام سوى عدم رغبة المملكة في تصحيح علاقتها مع دمشق. مؤكدة في الوقت نفسه حرص سوريا على إقامة افضل العلاقات مع أشقائها العرب والعمل معاً لما فيه مصلحة الأمة العربية كلها.
بالعودة الى لبنان حيث كان مسرح انطلاق الشرارة التي أصابت العلاقات السورية السعودية تتحدث أوساط قريبة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه بعد عودته من زيارته الأخيرة الى الرياض، أدرك صعوبة المهمة التي عليه إنجازها قبل الانكباب على تطبيع العلاقات بين بيروت ودمشق، مبدياً في الوقت نفسه تفاؤله بأن الأمور لن تبقى على حالها وخصوصاً بين الرياض ودمشق.