عرفات حجازي
هل تتلقف الأكثرية مبادرة المعارضة وتطمينات السيد حسن نصر الله وتفتح المسالك أمام التسوية؟ أم تبدأ الخطوات اللاحقة لخطوة استقالة الوزراء؟
المتتبّعون لسير الوساطات يرون أن الطرفين باتا متساويين في المأزق، ويقفان في النقطة القاتلة التي يصعب فيها التراجع، كما يصعب التقدم الى الأمام، والطرفان يحتاجان الى سلالم نجاة تساعدهما على النزول من السقوف المرتفعة، وهم مقتنعون بأن الرئيس نبيه بري ما زال قادراً، من خلال موقعه ودوره، أن يكون جسر التواصل بين الضفتين، وذهب بعضهم الى حد القول إن بصماته كانت واضحة في انفتاح السيد حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط على تسويات تفتح الأفق السياسي المسدود أمام التوافق على مبدأ الحكومة الوطنية الجامعة، على أن يبدأ لاحقاً البحث في التفاصيل.
وكما كان متوقعاً سارع السفير السعودي في لبنان، عبد العزيز خوجة، الى طلب موعد عاجل مع بري، فالتقاه على مدى ساعة وناقش معه سبل الخروج من الأزمة السياسية الحادة. وعلمت «الأخبار» أن بري كرر على مسامع ضيفه بأنه سبق أن قدّم حلولاً بأرخص الأثمان، وأن التفاهمات التي سبق أن توصّل إليها مع فريق الأكثرية جرى الالتفاف عليها وتم إسقاطها، مكرراً قوله إن الكرة ليست في ملعبه بل في ملعب الآخرين، مبدياً استعداده من موقع حرصه على أمن البلد وسلامته، لأن يجدد مسعاه، إذا ما قدمت له عروض مقنعة يمكن تسويقها مع الحلفاء، مصحوبة بضمانات تسمح بوضعها موضع التنفيذ.
وتشير المعطيات المتوافرة الى أن السفير السعودي بات مقتنعاً في ضوء التطمينات التي قدمها نصر الله حول موضوع المحكمة الدولية وانفتاحه على نقاشها بروح إيجابية ومن دون عرقلتها، أن التسوية باتت ممكنة، وأنه فاتح بري بضرورة إعادة قنوات الاتصال بينه وبين رئيس الحكومة وزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري، بعد أن كانت انقطعت على خلفية المواقف والتصريحات التي أدليا بها أخيراً، واعتبرها بري مسيئة له ولسعيه الى استرداد التوازن في المعادلة السياسية. ويقول بعض من التقى السفير السعودي أخيراً، إن الرجل لا يمتلك حتى الآن مبادرة محدّدة لكسر المواقف المتصلّبة، وإنه ما زال في نطاق مساعي الوساطة وتقريب وجهات النظر، مستعيناً بما له ولبلده من مكانة وتقدير لدى جميع الفرقاء. وينقل هذا البعض عن السفير خوجة توقّعه من خلال اتصالات مع الأطراف، تحديد مصير المساعي في غضون الـ 48 ساعة المقبلة، آملاً بمفاجأة سارّة مع حلول الذكرى الـ 63 للاستقلال.
ومع ارتفاع وتيرة الاتصالات الدبلوماسية الجارية، فإن صورة المشهد السياسي رست على الشكل الآتي:
التصوّر السائد لدى المعارضة أن الأكثرية لن تعطي «الثلث الضامن» للمشاركة الفعّالة، وبالتالي فإن قرارها الاستراتيجي المتخذ بإحداث تغيير في معادلة الحكم، انطلاقاً من التغيير الحكومي، لا عودة عنه، وإن فترة السماح ستغلق بسرعة والعد العكسي للنزول الى الشارع قد بدأ أياً تكن النتائج.
في المقابل، فريق الأكثرية يقارب مطالب المعارضة من موقعين مختلفين. موقع متشدد في إعطاء «الثلث المعطّل» والمسّ بالتوازنات السياسية القائمة في الحكومة، التي يعتبرها هذا الموقع خط الدفاع الأخير عن «قوى 14 آذار» والمنجزات التي تحققت خلال العامين الماضيين، ويتمسك هذا الجناح المتشدد في الفريق الأكثري، بالحكومة الحالية، مبدياً ثقته بالدعم الدولي بعد أن تكرّس لبنان عنصراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية للمنطقة. أما الموقع الآخر فيبدي مرونة وانفتاحاً على مناقشة الأزمة السياسية، ويرى أن من المستحيل الإبقاء على الوضع الحكومي بعد استقالة الوزراء الشيعة منها، وهي وإن احتفظت بالقدرة على الاستمرار إلا أنها عملياً تحولت الى حكومة تصريف أعمال ومحاصرة بضغوط وأوضاع تشلّ حركتها، في ظل التهديد بتحريك الشارع وفي ظل الخوف على مصير القرار 1701 ومستقبل مؤتمر باريس 3، ويقود هذا الجناح النائب جنبلاط الذي يراهن على علاقته الجيدة ببري، والذي وصفه في الجلسة المغلقة للجمعية العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي، بأنه رجل صادق ويعمل على حفظ التوازنات الدقيقة في البلد، من خلال تسوية سياسية متوازنة ويجب تمكينه من الإبقاء ممسكاً بخيوط الحوار ولو بات أكثر صعوبة وتعقيداً من قبل.
ويرى بعض المطّلعين على حركة الوساطات الجارية أن المشكلة ستعود الى حجمها الطبيعي، أي الخلاف على الثلث المشارك والضامن، وأنه لم يعد مطروحاً فتح ملف الصراع بكامله، مضيفين بأن التشدد الملحوظ في المواقف هو جزء من لعبة الاستعداد للحوار مجدداً ولفتح قنوات خلفية له.