صباح أيوب
أعلن التلفزيون أمس انتهاء مرحلة الحوار. حرب المؤتمرات والمؤتمرات المضادة، حرب المقابلات الخاصة والحصرية و«النقل المباشر» للمهرجانات والخطابات السياسية، فشلت مرة اخرى، انتهت بالدم مجدداً. وكنا قد بدأنا نملّ لعبة التسريبات المعممة واستخدام المنابر في كل ساعة من كل يوم، وموضة التراشق الاعلامي. مللناها، لكن ليس لدرجة ان نطلب انهاءها بالقتل واستبدالها بالمشاهد السوداء القاتمة مجدداً. اشتاقت الصورة للدم، وبرهنّا، نحن المشاهدين، عدم تحلّينا بالصبر الكافي الذي يفرضه ايقاع الحياة السياسية عموماً.
«وصلني الآن خبر تعرّض الوزير بيار الجميل لاطلاق نار وهو في حالة خطرة. أعلن انتهاء المؤتمر الصحافي»، هكذا، اضطرّ النائب سعد الحريري لإنهاء مؤتمره الصحافي وهو يقرأ الخبر بغصّة، وكانت معظم الوسائل الاعلامية تنقل المؤتمر مباشرة، والصحافيون، كما المشاهدون، يشاركون مرة أخرى في حدث إطلاق موقف سياسي من شأنه أن يحدّد «مزاج» شارع معين ينتظر إقرار التحرك أو التهدئة. فجأة، لم يعد للموقف اهمية ولا للحوار او نتائجه اي معنى. وها نحن نختار «الهمجية» مرة اخرى أفضل طريقة للتعبير.
أعلن الخبر، وما هي إلا دقائق قليلة حتى انطلقت «الفلاشات» والأخبار القصيرة التي ازدادت تفاصيلها تدريجاً الى ان تأكد خبر الوفاة. وكانت الصور الأولى للمؤسسة اللبنانية للارسال، صور المناصرين المحتشدين في مستشفى مار يوسف.
لا جثث متفحمة هذه المرة، ولا سيارات محروقة، فالقتل كان مباشراً بالرصاص وكاتم للصوت. وصلت كاميرا الـ«إل.بي.سي» أولاً ونقلت صورها جميع المحطات التلفزيونية المحلية منها والفضائية، كما نقلت الحدث كل من الـ«بي.بي.سي» والـ«سي.إن.إن» وأوردته خبراً عاجلاً، أرفقته بتحليلات لمراسليها من بيروت، الذين وضعوا الحدث في اطار «التوتر السياسي» الذي يشهده لبنان أخيراً و«حالة اللا استقرار الأمني» الذي يعانيه البلد منذ أكثر من سنة. من جهته، سعى الزميل غسان بن جدو، من استوديوهات قناة «الجزيرة» في قطر، إلى ألا يعكس نظرة تشاؤمية للوضع مشدداً على «ضرورة الحوار الآن».
أما قناة «المستقبل» فانفردت بخبر لم تذكره أية وسيلة اعلامية اخرى ولم ترد عنه أية صور، ومفاده «توجه مناصري الجميّل في تظاهرات غاضبة باتجاه قصر بعبدا»، وذلك منذ الدقائق الأولى لإعلان خبر الوفاة.
وتتالت المواقف وعادت المنابر نفسها لتستنكر وتشجب وتدعو الى التهدئة. كما كان من اللافت تصريحات المسؤولين الأميركيين والبريطانيين، حيث عبّر سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة جون بولتون عن أسفه لما حصل، وأعلن أن الولايات المتحدة «ستسرّع خطواتها في لبنان».
كيف ستتعامل الشاشات مع «العيد» و«الواقع» اليوم، وأية صورة سيختار المشاهد في هذه المناسبة؟
الجواب الأرجح: موسيقى كلاسيكية.