طارق ترشيشي
ما أشبه اليوم بالبارحة....
وزير الصناعة بيار الجميل يُغتال أمس في لحظة مناقشة مشروع نظام المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومع بروز إشارات إلى تأخره، في انتظار التشاور حول آلية الاقرار الدستورية في لبنان، بعدما كانت قد اقرته الحكومة بمعزل عن رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية الاولى في المفاوضة الدولية، في جلسة لم يحضرها الوزراء الستة المستقيلون، وفيما طُعنَ في الشرعية الدستورية للحكومة بعد استقالة وزراء الطائفة الشيعية.
والنائب جبران تويني اغتيل قبل عام تقريباً (في 12/12/2005) عندما كان النقاش الداخلي لمسودة قرار مجلس الامن الرقم 1664 القاضي بإنشاء المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الحريري قائماً ، بحيث اجتمع مجلس الوزراء استثنائياً في ذلك النهار، وطرحت المسودة لإقرارها، فطلب الوزراء الشيعة استئخار البت فيها حتى الخميس حيث موعد الجلسة الاسبوعية للمجلس، ليتسنى لهم درسها. فأصرت الاكثرية وأقرتها غير عابئة بموقف هؤلاء الوزراء الذين ردوا بالاعتكاف لبضعة اسابيع عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء.
اغتيال تويني الذي سبق بأيام صدور التقرير الثاني للمحقق الدولي السابق في جريمة 14 شباط 2005، القاضي ديتليف ميليس، كانت نتيجته المباشرة حفز المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الامن، على إنشاء المحكمة الدولية، وصدور القرار الرقم 1664 في 29 آذار الماضي.
واغتيال الجميل الذي يسبق بأسابيع قليلة صدور التقرير الثالث، والذي قد يكون النهائي للمحقق الدولي الجديد في اغتيال الحريري القاضي سيرج براميرتس، قد يؤدي الى تحريض المجتمع الدولي على إصدار قرار خاص يقضي بإنشاء محكمة دولية خاصة في جريمة 14 شباط 2005، بمعزل عن السلطات اللبنانية، وبذريعة ان الاتفاق اللبناني ــ اللبناني «متعذر» بين الاكثرية والمعارضة على نظام المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة المنشأة بالقرار 1664.
على ان اغتيال الوزير الجميل اعاد الى الأذهان التحذيرات والتخوفات التي عبر عنها قبل ايام رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، من احتمال تعرض وزراء للاغتيال لإفقاد الحكومة نصابها القانوني، لكي تسقط بعدما استقال منها 6 وزراء. ودعا جعجع الوزراء الى اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة لحماية انفسهم. علماً بأنه أعقب الجريمة حادث إطلاق نار تعرض له مكتب الوزير ميشال فرعون في الاشرفية، وتبين لاحقاً أنه لم يكن موجوداً فيه.
الى ماذا يمكن ان يؤدي اغتيال الوزير الجميل في ذروة الخلاف القائم بين الاكثرية الحاكمة والمعارضة التي تستعد لتحرك واسع لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟
من البديهي أن الاكثرية ستعمل على استعادة المبادرة بالنزول الى الشارع مجدداً، في محاولة منها لاستعادة «مشهد 14 آذار» أو ما يقرب منه، أو على الاقل مشهد تشييع النائب جبران تويني، وذلك من اجل استنهاض شارعها الذي يعيش ارتباكات متنوعة. مع العلم أن هذا الشارع لم يعد كما كان، نتيجة ما اصاب مشروعها السياسي من وهن هنا وفشل هناك. والمرجّح أن الفريق الاكثري سيصعّد الموقف رافعاً الصوت مستعجلاً المحكمة ذات الطابع الدولي، بدليل قول رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إثر وقوع الجريمة ان «المحكمة (الدولية) آتية لا محال». او العمل على استيلاد ظروف تحول دون سقوط حكومتها التي باتت في رأي المعارضة «آيلة للسقوط»، ولدفع مجلس الامن الى إقرار محكمة خاصة متجاوزاً المشروع الذي يدرسه حالياً. معولة على ان تؤدي الجريمة الى تحريض المجلس على هذه الخطوة وخصوصاً أنها وجهت أصابع الاتهام الى سوريا كما فعلت لدى وقوع كل الجرائم السابقة.
ذلك أن الاكثرية ترى أن هذه المحكمة سواء كانت «ذات طابع دولي» أو «دولية خالصة»، تمثّل «السلاح الامضى» في يدها لتقويض خصومها أي الفريق المعارض والنظام السوري. فضلاً عن انها قد تندفع الى توجيه الاتهام للمعارضة، في محاولة منها لإفقادها شرعية المطالبة بحكومة وحدة وطنية، وقطع الطريق على تحركها المقرر في الشارع من اجل الوصول الى هذا الهدف، وهو تحرك قد تدفع الجريمة ومضاعفاتها الى تأخيره بعض الشيء.
على ان هذه الجريمة، كغيرها من الجرائم، تدفع تلقائياً الى السؤال عن الجهات المستفيدة منها، الى جانب اسئلة كثيرة، منها ما يدور على سبيل المثال لا الحصر، حول منطقة الجديدة التي وقعت فيها الجريمة، والطريقة التي نفذت بها، والتي تدل على أن المنفذين محترفون وتمكنوا من الاختفاء سريعاً في شارع يغص دائماً بالحركة.
واللافت ان الرئيس امين الجميل كان هادئاً في رد فعله على اغتيال نجله، إذ تروَّى ولم يوجه اي اتهام، مما يدل على انه غير مستجيب لما صدر عن بعض حلفائه في «14 آذار» من اتهامات سياسية حتى الآن.