طارق ترشيشي
لم تحمل خطابات الاركان الكبار في «فريق 14 آذار» أثناء تشييع الوزير بيار الجميل في وسط بيروت امس، اي إضافات جديدة إلى الخطاب السياسي العام لهذا الفريق في مواجهة المعارضة وحلفائها ،إذ جاء ما عبروا عنه، تكراراً لمواقفهم في صياغات لغوية قديمة ــ جديدة، ارادوا منها تنشيط شارعهم وإعادة استنهاضه، مستفيدين من موجة الاستنكار الدولية للجريمة الجديدة.
بل إن هذه الخطابات كشفت عن تنسيق مسبق للكلمات من حيث مضامينها وتوزيعها، وفق موقع كل من الذين ألقوها على مسامع المحتشدين. فالنائب وليد جنبلاط الذي اكتسب خطابه طابع التأكيد على الصمود، عبر تكراره عبارة «لن ينالوا»، خرج عن النص المكتوب ليقطع وتيرة نبرته المرتفعة ويقول: «(...) اقول لم أقرأ ولن أقرأ، لم أسمع ولن أسمع بيانات الفتنة في هذه اللحظة. وفوق الألم والجراح نحن مع الحوار». وعكس بذلك رغبة لدى الاكثرية الحاكمة في العودة الى «طاولة الحوار» أو «طاولة التشاور». اما رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري، فجاء خطابه موجهاً الى شارعه، ليؤكد له ثباته على الموقف واستمرار تحالفه مع الفريق المسيحي عبر حديثه عن «امتزاج الدم».
فيما جاء خطاب رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع هجومياً على المعارضة، لينفرد الرئيس السابق أمين الجميل بالدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن الموقع له رمزية مارونية.
وعلى حد ما يقول قطب نيابي، فإن مدبري جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل، ارادوا من خلالها تحقيق مجموعة اهداف، ابرزها إجهاض الوتيرة التي كانت تسير فيها المعارضة للنزول الى الشارع، من اجل إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ولذا تعاطفت المعارضة وجدانياً و«فرملت» خطواتها في هذا الاتجاه.
وفي المقابل حاولت الاكثرية أن تستفيد من تشييع الجميل لتزخيم مطالبها وإنعاش وضعها المتراجع امام شارعها والرأي العام. وفي الوقت نفسه لجأت بعد وقوع الجريمة الى التركيز والدعوة الى عودة الوزراء المستقيلين من الحكومة وحضورهم مجلس الوزراء «فوراً». وشاركها في هذه الدعوة السفير السعودي في لبنان الدكتور عبد العزيز خوجة، الأمر الذي يدُل على حشرة الأكثرية في فترة زمنية محددة، عليها ان تستفيد منها للضغط على خصومها لتقديم تنازلات، او على الجهات الداعمة لتستعجل مؤآزرة أو ضغوطاً ما على هؤلاء الخصوم «قبل ان يبرد الدم»...
ويرى هذا القطب ان خطابات اركان الفريق الاكثري امس، لم تكشف عن اي «مُزَخِّم ايجابي» لحركته، لأنها لم تحمل اي جديد، الى درجة ان بعضهم ركز في جانب اساسي من خطابه على إظهار «اكثرية وأقلية»، عبر حديثه عن «الحقيقة والاوهام»، بل ان هذه الخطابات لم تدل على أن اصحابها ينوون قراءة الجريمة بطريقة مختلفة عن سابقاتها، بل تظهر انهم مصرون على قراءتهم الاولى لها. علماً بأن كل معطيات ارتكابها تدل على اختلافها عما مضى من جرائم. اذ إن مرتكبيها نفّذوها بدم بارد وبوجوه مكشوفة، تاركين بصمات واضحة وراءهم وغير عابئين بما يمكن ان تثيره من مضاعفات. فالمهم لديهم هو تنفيذها في هذا التوقيت، «مما يدل على انهم مستندون الى تغطية دولية ما».
ولذا، يقول القطب النيابي نفسه، إن السلطة تتحمل مسؤولية كبرى في كشف مرتكبي الجريمة، خصوصاً ان السيارة التي استخدمها الجناة صدمت سيارة الوزير الجميل، وهو ما يعني أنهم لم يبتعدوا بها كثيراً عن مسرح الجريمة، وربما يكونون قد اخفوها في مرآب ما وتواروا، وهذا ما يبطل اي حجة للسلطة لعدم كشف الفاعلين وسوقهم الى العدالة. خصوصاً بعد حديث «المصدر الاوروبي» عن وجود خيوط يمكن ان ترشد المعنيين الى معرفة كل ملابسات الجريمة «التي نفذها الجناة وفق اختيار دقيق، وتوقيت أدق، وتنفيذ مُستعجل».
ويلفت القطب النيابي الى معلومات وردت من الامم المتحدة الى مراجع رسمية وسياسية في بيروت، تفيد بأنه بينما كان ممثلو الاتحاد الروسي وقطر والارجنتين في مجلس الامن، يناقشون موضوع نظام المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشيرين الى الخلافات السياسية والقانونية والدستورية الدائرة في لبنان حوله، بعد إقراره في جلسة حكومية مشكوك في دستوريتها لغياب رئيس الجمهورية ومجموعة من الوزراء عنها، تلقّى اعضاء المجلس نبأ اغتيال الوزير الجميل، فكان أن صدر قرار المجلس بلا مناقشة، ليضع الجميع، وخصوصاً من لديهم ملاحظات على نظام المحكمة، امام امر واقع...
ويخلص القطب من كل ذلك ليقول إن الرئيس الاميركي جورج بوش، الذي مُنيَ بهزيمة ساحقة في الانتخابات الاخيرة امام الحزب الديموقراطي، يعتقد أن في إمكانه ان يحقق في لبنان «إنجازاً ما» ليعيد تعويم حزبه الجمهوري، لكنه في هذا المشهد يشبه ذلك الذي يُفرِغ الطلقات الباقية من مسدسه، لدى خروجه مهزوماً من الحرب...