أنطوان سعد
تبدي أوساط بكركي خشيتها أن يؤدي الجو المشحون الناتج عن اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل إلى تفاقم التوتر السياسي وانعكاسه تردياً أمنياً ووقوع مواجهات بين مناصري الأطراف المتنازعة، خصوصاً بعدما تنامى إليه أن الاستعدادات في صفوف الأكثرية والمعارضة جارية للبدء في تحركات شعبية كبيرة بعد انتهاء فترة الحداد. إذ تتداول أوساط المعارضة في شأن استئناف تحركها التصاعدي الذي بدأ باستقالة وزرائها من الحكومة وكاد ينتقل إلى الشارع، وفي المقابل، أوعز بعض قوى الرابع عشر من آذار إلى قواعده بالاستعداد لتحركات شعبية متواصلة لن تقل مدتها الزمنية عن ثمانية أيام يفترض أن تفضي إلى تبديلات جذرية في المشهد السياسي اللبناني، على حد تعبيرها.
وينقل زوار البطريرك الماروني نصر الله صفير عنه انشغاله وذهوله من الطريقة التي جرت فيها عملية الاغتيال –وقد عبّر عن ذلك في عظته أثناء الجنازة- معتبراً أنها تحد سافر يرمي إلى الاستفزاز واستثارة المشاعر إلى أقصى حد متسائلاً عما إذا كانت ترمي فقط إلى إعاقة المحكمة الدولية أم أنها ترمي إلى إحداث فتنة وجر البلاد نحو عدم الاستقرار. كما نقل زوار الصرح تهيب سيده للوضع المستجد والمتفاقم ودعوته لمختلف اللاعبين السياسيين بالتروي والتبصر لأن أي خطوة غير مدروسة قد تدخل البلد في نفق مظلم لا أحد يعرف نتيجته. وقد أبدى البطريرك الماروني قلقه لغياب جهة أو شخصية قادرة على محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين، وعلى لعب دور فاعل لتنفيس الاحتقان بعدما أخذ كل طرف موقفاً يكاد يبلغ نقطة اللاعودة.
وانشغل البطريرك صفير بما ورده من أخبار عن احتكاكات وصدامات في الشارع وقعت في اليومين الماضيين بين مناصري حزب التيار الوطني الحر من جهة ومناصري حزبي الكتائب والقوات اللبنانية من جهة أخرى، وكذلك عن اشتباكات بالأيدي وقعت في منطقة رأس النبع بين مناصري تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله، وهذا الأمر كان يخشاه سيد بكركي ويحذر منه باستمرار. وسأل من زاره من الأطراف المعنية عن تفاصيل ما يجري في الشارع فقيل له إن حدة الاحتكاكات قد خفّت أمس عن اليومين السابقين. وسمع البطريرك الماروني تأكيداً من زواره على أن تعليمات قد أعطيت للمحازبين بضبط النفس وبعدم الرد على الاستفزازات.
وفي ظل هذه الأجواء المتشنجة، تحركت المساعي من جديد لوضع ورقة ثوابت وطنية طالبة من بكركي أن ترعاها وتحتضنها وتلزم جميع الأطراف بها خصوصاً لناحية تحديد الخطوط العريضة الواجب احترامها وعدم جواز تحوّل الاختلاف في الرأي إلى اشتباكات في الجامعات والشارع.
وكشفت أوساط مطلعة أن العماد ميشال عون الذي كان أبدى موافقته على هذه الورقة بات يفضل أن يجري تسريعها لأن الوضع أصبح خطيراً بعدما حصلت اعتداءات كثيرة على المقار التابعة لحزب التيار الوطني الحر في مختلف المناطق اللبنانية. ونقل مساء أمس النائبان في تكتل الإصلاح والتغيير سليم سلهب وفريد الخازن إلى البطريرك صفير تمسك العماد ميشال عون بمرجعية بكركي الوطنية التي تعمل على تحقيق التواصل بين اللبنانيين وبين المسيحيين.
ونقلا عن رئيس حزب التيار الوطني الحر كلاماً يندرج في سياق الحديث التلفزيوني الذي أدلى به العماد عون مساء الأربعاء عن رؤيته إلى دور بكركي في الأزمنة العادية كما في الأزمنة الصعبة.
وأعرب النائبان الخازن وسلهب عن اعتقادهما بأن الوضع اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً يحتاج إلى مبادرات لطمأنة النفوس وتهدئة الخواطر ناقلين استعداد العماد ميشال عون للتجاوب مع كل مبادرة في هذا الاتجاه.
إزاء الدعوات المتكررة لسيد بكركي بالتدخل على خط التهدئة، بعد نوع من الانكفاء عن الواجهة منذ انسحاب سوريا من لبنان وعودة الحرية إلى العمل السياسي، تفيد أوساط مطلعة أن البطريرك صفير منفتح على كل فكرة تؤدي إلى تقريب وجهات النظر وتخفيف الاحتقان ولا مانع عنده من المبادرة في هذا المنحى إذا كان جميع المعنيين مستعدين للاحتكام إليه ولإبداء بعض التنازل من أجل التوصل إلى قواسم مشتركة مبنية على أن مصلحة الوطن تأتي أولاً.