strong>عمر نشابة
إن التعاطي مع جريمة اغتيال الوزير بيار جميل أول من أمس واختفاء اثر المنفذين «أسهل» من التعامل مع جرائم الاغتيال والتفجيرات السابقة بسبب تعدد الشهود وعدم استخدام المجرمين تمويهاً لهويتهم، وحصول الجريمة في وضح النهار في منطقة سكنية مكتظة. أين أصبحت التحقيقات؟ وما هي العقبات التي تعترضها؟

قال المطران بولس مطر أمس في كنيسة مار جرجس بعد جنّاز الوزير الشهيد بيار جميّل «لقد أعلمنا رئيس مجلس الوزراء الاستاذ فؤاد السنيورة أن مجلس الأمن وافق البارحة على تكليف لجنة التحقيق الدولية المساعدة في التحقيق في الجريمة التي استهدفت معالي الوزير الشيخ بيار جميّل ورفيقه العزيزين». وعند سؤالنا عن سبب صدور هذا النبأ القضائي الهام عن رجل دين لا عن رجل دولة وعن السلطة القضائية، علمت «الأخبار» من أحد المسؤولين الكتائبيين الذين كانوا في الكنيسة أن رئيس الحكومة كان قد طلب إعلان هذا الخبر بنفسه في الكنيسة بعد انتهاء الجنّاز لكن المطران مطر فضّل أن يعلن الخبر بنفسه. على أي حال، فور تلقي النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا خبر تكليف لجنة التحقيق الدولية المساعدة في التحقيقات عقد اجتماعاً قضائياً في مكتبه ضم مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد والمحامية العامة التمييزية القاضية جوسلين ثابت وقاضي التحقيق العسكري القاضي جورج رزق، وأربعة من قضاة وخبراء لجنة التحقيق الدولية ورئيس قسم المباحث الجنائية العلمية العميد هشام الأعور ورئيس مكتب الأدلة الجنائية الملازم أول كلاشي. واستغرق الاجتماع الذي عقد قبل الظهر حوالى ثلاث ساعات انتقلت اللجنة والمحققون بعده إلى مكان وقوع الجريمة وبوشرت التحقيقات الدولية بالتنسيق مع السلطات القضائية اللبنانية.
التحقيقات تتقدّم بصعوبة
قال مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار» إن فريق لجنة التحقيق الدولية أخذ، خلال معاينته لمسرح الجريمة، عينات من قشرة دهان تعود لسيارة الهوندا CRV السوداء التي اصطدمت بها سيارة الوزير جميّل والتي هرب بواسطتها المسلحون الذين اغتالوه الى جهة مجهولة. وسيحاول خبراء اللجنة تفحّص هذه العينة للكشف على تفاصيل تساعد على تحديد مكان السيارة ومستخدميها.
وكشف مصدر قضائي مساء أمس أن التحقيق يشهد بعض التقدم بالاستناد إلى معطيات ومعلومات توافرت للمحققين من خلال إفادات شهود عاينوا وقائع الجريمة والجهة التي فرّ نحوها المجرمون. لكن يبدو أن هناك تفاوتاً كبيراً وتناقضات في إفادات الشهود، إذ علمت «الأخبار» أن أحد الشهود أفاد أمس للمحققين أن سيارة الجميّل توقفت على يمين الطريق بانتظار أحد الاشخاص ليرافق الوزير الى واجب العزاء الذي كان متوجهاً إليه قبل اغتياله وعندها حدث الهجوم. لكن مصدراً مهنياً رفيعاً في التحقيقات الجنائية أكّد أن المعطيات تشير الى تعرّض سيارة الجميّل إلى كمين مسلّح ثابت. وينفي المصدر وجود دلائل على أنه كان ملاحقاً، ويقول إن سيارة الهوندا استخدمت لمنعه من الهروب من الكمين، والدليل على ذلك اصطدام سيارة الجميل بالهوندا في أقصى يسار الشارع مما يوحي بأنه كان يحاول تجاوز الهوندا لكنها أغلقت أمامه الجهة اليسرى. ويضيف المصدر المتخصّص في المباحث الجنائية أن إحدى الطلقات جاءت من الجهة الأمامية لسيارة الجميل، وذلك يشير إلى تعرّضها لإطلاق نار قبل اصطدامها بالهوندا.
وثمة خيوط تم التوصل إليها عبر الكشف الفني والعمل التقني في مسرح الجريمة، منها ما يرتبط برفع بصمات ما زالت قيد التحليل، ومنها ما يعود إلى نوعية السلاح المستعمل لمعرفة الجهات التي تقتنيه أو تستورده. وعلمت «الأخبار» أن كلّ الطلقات التي أصابت الشهيدين وسيارة الـ«كيا» التابعة لهما من عيار 9 ملم أطلقت على الأرجح من رشاشات صغيرة (10 MAC مثلاً) أو من مسدسات رشاشة روسية الصنع من نوع «ماغاروف». لكن يبدو أن هناك صعوبات جمّة يعاني منها المحققون في موضوع البصمات تعود الى تعدّدها واختلاطها بسبب عدم إدارة مسرح الجريمة بالطريقة المناسبة. إذ إن الإدارة المهنية لمسرح الجريمة لا تسمح لأحد بلمس موجوداته غير المحققين الجنائيين.
وأمس دقق المحققون بعدد من كاميرات المراقبة التي منها ما هو مثبت على مبانٍ قريبة ومطلة على مكان العملية ومنها ما هو موجود على مبانٍ تكشف بعض الطرق التي سلكها المجني عليه قبيل اغتياله، فضلاً عن أسباب غياب المواكبة الأمنية الرسمية له، واحتمال امتناع مرافقه م. س. (أمن الدولة) الذي نجا، عن إطلاق النار على الجناة والتثبت فنياً مما إن كان مسدسه تعطّل أو «روكب» بالفعل، وأسباب فراره من المكان دون أن يتعرض لإصابة. وعلمت «الأخبار» أن المرافق س. أفاد بمعلومات الى القضاء المختص تتناقض مع المعلومات التي أدلى بها سكان المحلة عن الكيفية التي وقعت بها هذه الجريمة، ففيما تؤكد معلومات السكان أن مجهولاً كان على الطريق أطلق النار على سيارة الجميل قبل أن ينقضّ عليها مسلحون آخرون، قال المرافق إن إطلاق النار جاء من مصدر واحد هو سيارة الهوندا. وبدا عليه التردد والخوف خلال الإدلاء بإفادته. لكنه أكّد أن مسدسه «روكب» أثناء الحادث علماً بأنه احتمى في المحال التجارية في بناية «ماكوبجي» المجاورة وكان بإمكانه أن يعيد تلقيم المسدس وربما استخدامه لكن يبدو أن الخوف أو شيئاً ما آخر هو سبب هذا التردد.
مهنية تقارير الطب «الشرعي»
وعلمت «الأخبار» أن القضاء كلّف لجنة من «الأطباء الشرعيين» تتألف من الأطباء بلال صبلوح ووحيد صليبا وناجي صعيبي. لكن اللافت في ذلك ثلاثة أمور: أولاً ان جدول مناوبة الاطباء الشرعيين في محافظة جبل لبنان لعام 2006 الصادر عن مصلحة الطب الشرعي والأدلة الجنائية والموقعة من رئيسة المصلحة بالتكليف جيزيل صادق، تشير الى أن الطبيب الشرعي المناوب عن المتن الشمالي هو ريف كنعان (متخصصة في الطب النفسي PSYCHIATRY) وليس أياً من الأطباء أعضاء اللجنة المذكورين. وقالت كنعان في اتصال مع «الاخبار» إنها لم تكن «موجودة عندما اتصل بها القضاء لتكليفها بالكشف على ضحايا الجريمة التي أودت بالوزير الجميّل» مع انها تحمل هاتفاً محمولاً. ثانياً ان سجل نقابة الأطباء في لبنان لا يذكر أن الطبيبين صليبا وصعيبي متخصّصان في الطبّ الشرعي (كما هي حال كنعان). وعلمت «الأخبار» من مصدر طبّي مطّلع أن اختصاص صليبا الطبي هو طب عائلي (FAMILY MEDICINE) بينما اختصاص صعيبي هو طب الطوارئ (TRAUMA) بينما الطبيب الوحيد في اللجنة المتخصّص في الطب الشرعي هو صبلوح. ثالثاً، قال مصدر طبي إن الدكتور بلال صبلوح، الذي تابع دراسة الطبّ الشرعي في روسيا، ليس لديه الخبرة الكافية لوضع تقرير دقيق عن وضع أجساد الضحايا في جريمة من هذا النوع.
ومساءً قال مصدر أمني رفيع إنه لاحظ غياب التنسيق بين المحققين الذين يستمعون إلى إفادات الشهود والمحققين الذين جمعوا الأدلّة في مسرح الجريمة وبين المختبرات الجنائية التي تجري تحاليل على بعض العينات وبين الأطباء الشرعيين الذين عاينوا أجساد الضحايا واستخرجوا منها الطلقات النارية.
وتناقلت أوساط قضائية وأمنية أمس معلومات مفادها أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ستصدر بياناً تفصّل فيه المعلومات الأمنية الرسمية لوقائع عملية الاغتيال. لكن شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن نفت هذا الخبر مساء أمس.