كارل كوسا
حاول سائق أحد الباصات التي كانت تقلّ شبّاناً إلى ساحة الشهداء، معرفة هوية أعلام يصطحبها ركاب متحمّسون. كان يخشى من تحويل باصه إلى ساحة أخرى لمعارك سياسية مستعرة. فيطمئنه قواتي «كلنا هون 14 آذار». لكنّ السائق يُصرّ «ما بدنا مشاكل». وقد اشتكى سائق الباص من خدعة تعرّض لها، بعد أن وعد بمبالغ مالية، مقابل إفراغ دير الأحمر من سكّانها وإيصالهم إلى بيروت.
البسطة، السوديكو، بشارة الخوري، شهدت ازدحاماً كثيفاً، كونها نقطة تجمّع الوافدين والمنسحبين والراحلين عن المهرجان. الهتافات الطائفيّة، التي كانت تُطلق، أزعجت بعض الحاضرين، فيما استثارت مشاعر آخرين وغرائزهم. وبدا واضحاً أن الشحن الطائفي المركّز قد دفع الشباب إلى تناسي موضوع المناسبة، عبر إطلاق عبارات تمسّ بكرامات شخصيات وطنية ومقامات دينية. حتّى إن العصبية وصلت بأحد الشبّان إلى رفع دعاء «اللهم... حرّر بيروت من الشيعة» فيكمل زميل له الدعاء بنعت آخر «ومِن الطارئين عليها».
ورأى بعض العائدين، في دردشة جانبية، أنّ «كلّ من لم يشارك في هذه التظاهرة هو عدو لبنان، وجزء من النظام القاتل». وشكر «وطنيّ» أميركا، بصوت عال، على «دعمها الوطنيين واللبنانيين الحقيقيين 100% في لبنان». ما استفزّ مارّاً «إي خلّي أميركا تنفعكن يا صمٌّ بكمٌ عميٌ، دمّات شهداء العراق برقبتكن».
توقّفت مجموعة عند أحد الدكاكين، وفور طلب أحدهم عصير ليمون، ثار عليه الرفاق، قبل أن يستدرك الخلفيّات المسيّسة لليمون «إشبك شي... عصير ليمون، شو بدّك يفكروك إيراني... هيدي خيانة عظمى». وأكمل الثورة رفيق حامٍ «يللي دمّه أزرق حرام عليه أن يقرب الليموني أحلى ما يتنجّس». جموع كثيرة انسحبت من التشييع، قبل بدء الخطابات، أعلام «الاشتراكي» و«المستقبل» و«القوّات»، كانت الأكثر حضوراً. منهم من أخذ إجازة من المهرجان، مستثمراً إياها في «كزدورة»، قبل أن تبدأ كلمات زعماء «14 آذار».
أجواء التشنّج والتعبئة والاحتقان، أمس، لم تتلاءم وحجم الكارثة الوطنية. فانتقد أحد المارّة، خارج وفود المتظاهرين، الذي يبدو أنه لا ينتمي إلى فريق 14 آذار، صورة «بيروت» التي آلت إليها اليوم، معتبراً أن «من يحتلّ العالم كله ويقتل أبناءه ويشعل فيه الفتن، لا يمكن أن نصدق أنه ملاك، وأنه يدعم لبنان في إنجاز استقلال ثانِ ولا ثالث ولا رابع، ففاقد الشيء لا يُعطيه».