فعلوها!
  • معن حمية

    بدا الإجماع اللبناني على إدانة واستنكار جريمة بيار الجميل فرصة لتفادي التوتر والاحتقان والعودة الى منطق الحوار ولغة التشاور.
    لكنهم أضاعوا الفرصة. فالفتنة لم تكن بحاجة الى من يوقظها، بل تنتظر من يغذيها، ومن ثم بدأت الرسائل تصل تباعاً!
    الطرقات تقطع بالتجمعات وحرق الإطارات، صور القيادات تمزق، مكاتب قوى حزبية تهاجم، مدنيون وعمال سوريون يعتدى عليهم، إطلاق الشتائم والسباب ضد قادة وطنيين، وكل ذلك بالتزامن مع موجة عارمة من التصريحات والمواقف لقادة 14 شباط، تارة تلمّح الى عون وطوراً تتهم سوريا وحلفاءها في لبنان بالجريمة. وأمام إصرار قوى 14 شباط، ارتضى الرئيس أمين الجميل أن يتحوّل التشييع من مأتم عائلي الى مأتم شعبي كبير. وهكذا تعطلت فرص التخفيف من الاحتقان، وتحوّل التشييع الى منصة إطلاق للمواقف الفتنوية!!
    ساحة الشهداء في بيروت، تحولت الى ما يشبه حقل الرماية، السياديون الجدد أفرغوا رصاصهم في جسد الوحدة، المثخن أصلاً.
    لقد فعلها الشباطيون، وسارعوا الى توظيف فعلتهم، من أجل تمديد استئثارهم بالسلطة، ولتعويم حكومة فاقدة الشرعية الدستورية والميثاقية. ولأنهم خافوا التحرك الشعبي الديموقراطي الوطني الذي كانت تحضّر له المعارضة من أجل تحرير السلطة من مغتصبيها.
    وقع الشباطيون في فخ أفعالهم، فهم من تحدّثوا عن موجة اغتيالات تطال وزراء ونواباً، وهم أنفسهم يمسكون بالسلطة والأمن. ومع ذلك تمكّن القتلة من اغتيال وزير في الحكومة في وضح النهار وبطريقة تثير الشبهات.
    وقع الشباطيون في فخ جنونهم، فهم الذين حذّروا طوال الأسابيع الماضية من عظائم الأمور إذا ما قررت المعارضة النزول الى الشارع، فإذا بهم يناقضون أنفسهم ويوجّهون هم الدعوة الى الشارع، وهكذا يؤكدون أن مفتاح عظائم الأمور بيدهم. أرادوها معركة كسر عظم وفق مفهومهم الذي خبره اللبنانيون إبّان الحرب الأهلية.
    فماذا نفعل نحن كمعارضة وطنية؟
    الجواب، قريباً، إنه النزول الى الشارع سلمياً، وفق الأصول الديموقراطية التي كفلها الدستور، ولن نغادره حتى تسقط الحكومة الشباطية اللادستورية، وحتى تحقيق الأهداف التي تحفظ لبنان وتصون سلمه الأهلي.

    عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي


    جمهورية الجنائز اللبنانية

  • د. صلاح عصفور

    لا ينقصنا نحن اللبنانيين، الوقوف خشوعاً أمام جلالة الموت، ينقصنا تطبيق دمقرطة الموت. نعم التساوي بمفهوم الشهادة، أضحى الاغتيال السياسي مناسبة لتظهير شدة اختلاط الوطنية بالعائلية، بالموروث السياسي المتمتع بمصطلح المافياوية، أصبحنا أكثر وعياً بالعلاقة الثنائية ما بين الطاووسية والبغلية. المشكلة الأساسية لا تكمن بالطاووسية فقط حيث إنها كالبغلية جزء مكوّن من العصاب الإنساني، كمتلازمة الحياة والموت.
    أضحت البغلية غير جديرة بتسيير أمورها المصيرية نتيجة عدم وعيها بحقوقها الأساسية لتبنى نظم انتخابية، عادة تؤسس لدولة المؤسسات للتملّص من ربق الزعامات الغارقة بأمراضها كتضخم الذات والإبقاء على التناقض المصالحي، البعيد كل البعد عن أي تكاذب وطني.
    يتساءل المرء عن ماهيّة الإعلام المملوك للطاووسية بإبقاء وهج الزعيم والقائد، ما يفاقم الالتباس فوق أي اعتبار وطني، وتأتي مشروعية السؤال بقدر الشدة المسببة لاضطراب الفكر الأولي والمكوّن للبغلية.
    أما آن الأوان لخلق وتفعيل حراك شعبي يخرج البغلية من انفصامها الأيديولوجي حول مفهوم السيادة والاستقلال. أما آن الأوان لأن ننهج نحو العقلانية وسحب الطوائف من التداول العشائري وأفلام «العرّاب» اللبناني. لم يعد هناك في الأفق القريب ارتدادات فيروزية للإبقاء على الوهم المتداول بين مكون الجماعات اللبنانية من دبكة وتبولة، انتهاءً بباقي الفولكلور الكاذب من خضرة لبنان الأزلية وزرقة سمائه المنتهكة يومياً.
    اذهبوا للعقل ومزّقوا اتفاقكم المقيت مع متعهدي الحروب الأهلية كلما انسدّت آفاقكم الرؤيوية، وأفسحوا المجال بعد هنيهات لترقدوا في لحد آبائكم وأجدادكم وناموا قريري العين لكونكم قد أسستم طريق الخلاص لأبنائكم.