ابراهيم الأمين
لم يكن أحد يتصوّر هذا الفشل السريع في استثمار فريق 14 آذار لجريمة اغتيال الوزير بيار الجميل، لأنه ليس هناك من معنى للقول إن المعارضة هي التي سوف تستفيد من هذه الجريمة، ثم إن التحقيقات الجارية في الجريمة نفسها تدل على مشكلات كبيرة جداً في تعقب الفاعلين الحقيقيين. إلّا اذا تواضعت السلطة الحاكمة وأمرت أجهزتها الأمنية بالعمل وفق القواعد المهنية من دون إهمال المناخ السياسي، ولكن دون حصر الاتهام سلفاًً بجهة واحدة أو فريق سياسي واحد، حتى لا تمرّ السنوات ونبقى عند ما نحن عليه: لا معلومات تدين أحداً والسياسة تفعل فعلها يميناً ويساراً.
وإذا كان التحالف الثلاثي الذي يجمع وليد جنبلاط وسعد الحريري وسمير جعجع لا يجد غير عنوان المحكمة الدولية لتجييش الموقف الشعبي والسياسي عموماً، فإن الأمر يستند في جانب منه الى معلومات عن التقرير الذي سيصدره قريباً رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج براميرتس.
قبل يومين أبلغ براميرتس الجهات المعنية أنه في صدد إنجاز تقريره خلال أسبوعين على أبعد تقدير. أي إن التقرير سيكون في عهدة المؤسسة المعنية بين 7 و9 من الشهر المقبل. يقع هذا التقرير تحت عنوان “تقرير نهاية المهمة”. وهو آخر إنجاز له كرئيس للجنة التحقيق. كما طلب في رسالة أخرى الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أن يجري نقل الأمور والملف برمته الى المحكمة الدولية المفترض إنشاؤها خلال فترة وجيزة. وهو يأمل إتمام أمر المحكمة وتعيينه مدعياً عاماً قبل نهاية ولاية أنان، كما أنه يريد مجموعة من الأمور الإجرائية التي تندرج، في رأيه، تحت بند “إجراءات ضروروية”، ومنها:
أولاً: أن يسمّى مدعياً عاماً في المحكمة الدولية وتُنقل إليه كامل الصلاحيات المتعلقة بأعمال التحقيقات الأولية وإعداد القرار الاتهامي.
ثانياً: اعتماد هولندا مقراً للمحكمة الدولية ومساعدته على اختيار مجموعة من المساعدين قبل نقل بقية التحقيقات الى العاصمة الهولندية.
ثالثاً: عدم إلزامه تقديم معلومات تفصيلية في تقريره المقبل، بل جعله مقتصراً على أمور إجرائية تشير الى تقدم التحقيقات وإعطاء فكرة عن آليات العمل والتعاون مع الجهات المعنية وإرسال إشارات الى وجهة التحقيقات من دون ذكر أي اسم أو أية معلومة يرى أنها قد تؤذي التحقيق في المرحلة اللاحقة، التي يعتقد أنها المرحلة الحاسمة.
رابعاً: عدم إلزامه تقديم أية معطيات جديدة الى القضاء اللبناني، وهو ما يحصل على أي حال. ويقول مصدر شديد الصلة بالتحقيق اللبناني إن النائب العام التمييزي سعيد ميرزا والمحقق العدلي الياس عيد ليسا في وضعية تتيح لهما الآن إصدار أي قرار ظني في القضية، وإن بعض الأمور الإجرائية الخاصة بالتحقيق تنتظر تسلّمها أوراقاً مهمة من لجنة التحقيق بينها “تقييم الشهود”.
خامساً: مساعدته في اختيار قضاة تحقيق جدد بعدما أنهى عدد من المحققين والقضاة العقود معه، حتى اضطر إلى القيام شخصياً بزيارة بلد اوروبي ليطلب من شخصيات محترفة هناك العمل معه في المرحلة المقبلة التي يعتقد انها قد تحتاج الى ستة شهور على الاقل لتقديم لائحة اتهامية.
سادساً: ان تقتصر المناقشات معه في مجلس الامن على الامور الاجرائية، وسوف يتحفظ عن ذكر اي اسم او اية معلومة قبل الوصول الى المحكمة مباشرة. وهو مستعد لإجراء مناقشات عامة مع اعضاء مجلس الامن كل على حدة لكنه يطلب من الامين العام مساعدته في عدم تعريضه لأي ضغط في شأن ما يقوم به.
سابعاً: ان يصار الى تقديم كل العون للحكومة اللبنانية لإنجاز الاوراق القانونية التي تتيح إقرار الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة وصرف الموازنة المطلوبة لإنشاء المحكمة في أسرع وقت ممكن (بين 3 و4 شهور على ابعد تقدير).
ولكن برز في الآونة الاخيرة تطور يتصل بعودة الرئيس السابق للجنة التحقيق القاضي الألماني ديتليف ميليس الى الواجهة. كذلك تهتم الاوساط القريبة من آل الحريري ومن معهم بنشر معلومات عما سوف يتضمنه تقرير براميرتس. ويتقاطع ميليس وأوساط آل الحريري عند نقطة تقول إن الوجهة الفعلية للاتهام تصيب مجموعات سورية بعضها يتولى مناصب رسمية في الدولة ومؤسساتها الامنية، كما تصيب مجموعات لبنانية بينها من يتولى مناصب رسمية وأمنية. وتعتقد الاوساط نفسها ان التقرير سيشير بالاسم الى عدد من كبار المشتبه بضلوعهم في التخطيط للجريمة، وان هناك اسماءً لعشرة مسؤولين امنيين على الاقل من لبنان، وان التحضير والتنفيذ حصلا بمساعدة من هؤلاء، وان اموراً عدة حصلت بعد الجريمة تشير الى تورط هؤلاء وآخرين في الجريمة ايضاً.
ويفترض ان ينشر قريباً تقرير ذو طابع إعلامي في بلد اوروبي معني يتضمن معلومات مثيرة عن طريقة عمل لجنة التحقيق ورئيسها الحالي وعن النتائج الأساسية للتحقيق وأسلوبه والابواب التي طرقها. وكل هذه المعلومات تقول إن براميرتس ربما اتبع نهجاً مهنياً وإعلامياً مختلفاً عما قام به ميليس، ولكنه يعتمد الوجهة نفسها في التحقيق، وهو يتهم سوريا مباشرة بالضلوع في الجريمة. ويبدو أن هناك معركة صامتة تدور بين ميليس وخليفته تتركز على خطف الأضواء، وتقول مصادر دبلوماسية عربية معنية إنه ــــــ بحسب مناقشات سابقة بين براميرتس في مجلس الأمن ومع الأمين العام للأمم المتحدة ــــــ يفضل عدم ذكر اي اسم في تقرير إجرائي وأن تبقى الامور رهن القرار الاتهامي الذي يفترض ان يقدم في المحكمة. وان لدى لجنة التحقيق من الأسباب ما يكفي لعدم الإتيان على ذكر اسماء خشية الاستثمار السياسي من اطراف متنازعة، وفي الأمم المتحدة من نصح بعدم صياغة التقرير بلغة ومنهجية من شأنهما تأجيج النار في لبنان والمنطقة.
في المقابل، تقول مصادر امنية اوروبية معنية بالتحقيق، ان براميرتس وضع لنفسه قواعد عمل معقدة وصعبة، وبحسب هذه القواعد يصعب القول ما إذا كان سيصدر عنه تقرير مفاجئ، وان المتوقع هو تقرير إجرائي يشير الى تقدم مستمر في التحقيقات والى صعوبة الاتجاه فوراً نحو لائحة اتهامية، وهناك حاجة لمزيد من الوقت قبل الوصول الى هذه النتيجة، وأن براميرتس يفضل نقل الموقوفين في القضية الموجودين الآن في السجون اللبنانية الى سجون في مقر إقامة المحكمة الدولية، وأن تصدر مذكرات توقيف دولية بحق آخرين، وأن يدير من هناك تحقيقات ومحاكمات على طريقة ما يجري الآن في العراق.
يشار هنا الى ان براميرتس كان قد بحث في ملفات التحقيق مع حقوقيين لبنانيين ومن دول اجنبية ووعد بأنه سيحاول الوصول الى قرارات معينة قبل صدور قراره النهائي، ولكنه لفت الانتباه ايضاً الى انه ما دام يعمل ضمن لجنة التحقيق هذه، فهو لا يريد تجاوز السلطات القضائية اللبنانية.