عرفات حجازي
موفدان ووسيط ورئيس الحكومة يتمسك بالجلسة وبنودها

انهارت محاولات اللحظة الأخيرة في التوصل إلى مخرج للأزمة السياسية، ولم تفلح الاتصالات التي أجراها فريق السلطة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إعادة الوزراء المستقيلين إلى الحكومة مقابل إرجاء جلسة مجلس الوزراء، فالتأم المجلس وأقر نظام المحكمة وكأن أحداً لم يستقل.
شريط الاتصالات ليوم السبت الاخير بدأه النائب بطرس حرب بزيارة للرئيس بري وطرح مبادرة متكاملة تشترط قيام حكومة وحدة وطنية بثلث ضامن بالتفاهم على ثلاثة ملفات: تطبيق القرار 1701 ومؤتمر باريس 3 والمحكمة الدولية. وكان جواب الرئيس بري أن لا مشكلة بالنسبة إلى المحكمة الدولية فلماذا تطرحون دائماً هذه المسألة وتصوّروننا كأننا ضد المحكمة، قلناها مراراً وتكراراً أنا والسيد حسن نصر الله على طاولة الحوار وخارج طاولة الحوار إننا مع مبدأ قيام المحكمة وسنناقش في نظامها ومسوّدتها بكل روح إيجابية ومنفتحة ومسهّلة، وذهبنا أكثر من ذلك في التفاهم الذي تم بيننا وبين سعد الحريري بتشكيل لجنة من تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله لمناقشة التفاصيل في جلسات جانبية بما يؤمّن تسهيلاً وإجماعاً على إقرارها بالسرعة اللازمة.
إذن هذا الأمر محسوم في رأيي، أما في ما يتعلق بالقرار 1701 فنحن مع تطبيق بنوده ونصوصه كما هي، ومؤتمر باريس 3 كنت أول المبادرين الى توفير كل مقوّمات النجاح له ودعوت اللجان للنظر في كل الاقتراحات والمشاريع التي يتطلّبها تكوين هذا الملف. في المحصّلة إذا كانت الأكثرية موافقة على هذه المبادرة فاتّكل على الله، نحن موافقون.
وغادر حرب إلى السرايا واجتمع مع رئيس الحكومة ووضعه في أجواء النقاش الذي جرى مع الرئيس بري حول المبادرة فوعده رئيس الحكومة بأنه سيتواصل مع الرئيس بري ويرسل له رسولاً من قبله. وبالفعل قبل ساعات ثلاث من انعقاد جلسة مجلس الوزراء أوفد السنيورة الوزير حمادة والسفير الدكتور محمد شطح إلى عين التينة وعرضا عليه ما سبق أن رفضه الرئيس بري حول عودة الوزراء المستقيلين إلى الحكومة وحضور جلسة السبت ومناقشة الملاحظات على مشروع المحكمة، على ألاّ يتخذ مجلس الوزراء قراراً بتمريره، بل تُشكل لجنة وزارية تبحث في الملاحظات أو التعديلات إذا وجدت، وفي ضوئها يقرر تحديد جلسة لاحقة للموافقة على مشروع المحكمة، وبعد ذلك يفتح الحوار على أزمة المشاركة وقضايا الخلاف السياسي. وتطرق الوزير حمادة إلى مبادرة النائب بطرس حرب قائلاً إنها من حيث المبدأ قابلة للنقاش والتفاهم ولكننا كفريق سياسي نصر على إضافة ملف الرئاسة الأولى إلى النقاط التي تضمنتها المبادرة.
وهنا أدرك الرئيس بري أنهم يرفضون السير بحكومة وحدة وطنية عندما يطرحون قضية رئاسة الجمهورية وهم يدركون سلفاً أنها غير قابلة للمعالجة، وتمت تنحيتها عن طاولة الحوار لأنها موضوع خلافي معقد.
خرج حمادة وشطح من عين التينة وكانت التقديرات أن يتراجع فريق السلطة عن عقد الجلسة إفساحاً في المجال أمام مزيد من الحوارات والنقاشات أو أن يقتصر جدول أعمال الجلسة على إقرار إحالة جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل على المجلس العدلي فتبقى الأمور مفتوحة على التشاور والأخذ والرد، لكن ذلك لم يحصل فعقدت الجلسة وأُقر نظام المحكمة.
بعدها مباشرة أجرى الرئيس السنيورة اتصالاً هاتفياً بالرئيس بري وأبلغه بمضمون الجلسة مؤكداً له أنه ماضٍ في سياسة الأبواب المفتوحة والحوار لأننا محكومون بالتوافق في نهاية الأمر، وعاتبه على تصريح أدلى به الرئيس بري من طهران عندمـــــــــــا أعلن حالة الطلاق مع فريق الأكثرية، وتمنى عليه أن يستبدل الطـــــــلاق بالتلاقي.
وهنا أجابه الرئيس بري: أنا تحدثت عن نوعين من الطلاق الطلاق البائن والطلاق الرجعي وقلت إن المسألة بيدكم والظاهر أنكم مع الطلاق الذي لا رجوع عنه.
وهنا انتهت المكالمة وقال الرئيس أمام زائريه إن انعقاد جلسة مجلس الوزراء وإقرار المحكمة زاد الأمور تعقيداً وهو إمعان في سياسة الخطأ وسياسة الأبواب الموصدة التي تفتح الوضع على مواجهات سياسية ودستورية حــــــــــــادة، كان بالإمكان تفاديها بشيء من التعقّل والأخذ بما كنا طرحناه كمخرج من المأزق السياسي وما زلنا عند طرحنا الذي يشكـــــــــــل حداً أدنى لا يمكن التنازل عنه وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية مع ثلث ضامن منطلقين من الأسس نفسهــــــــا التـــــــــي قامت عليها الحكومة الحالية مع لفت النظر أنه قياساً بتمثيل المعارضة داخل المجلس النيابي فإن حصتها في الحكومة تتجاوز ثلاثـــــــــــــة عشر وزيراً لا تسعة وزراء فقط أي الثلث زائداً واحداً.
ورأى الرئيس بري أن الإصرار على انتهاج سياسة التفرّد والاستئثار والانقلاب على الاتفاقات والتفاهمات وتعطيل كل الحلول السياسية وتجاوز كل الأصول الدستورية والميثاقية سيأخذ البلد إلى المجهول ويعطي المعارضة كل الحق للقيام بمسؤولياتها في حفظ البلد وإنقاذه، لافتاً إلى أنه كان يمارس ضغوطاً قوية على حلفائه لتأخير أي تحرك اعتـــــــــــــــراضي ما دام لم يقطع الحوار مع فريق السلطة.
إلا أن إصرار الحكومة على عقد جلســـــــــات غير دستورية وغير ميثاقية متجاهلة تداعيات تهميش شريحة كبرى من اللبنانيين على النسيج السياسي والوطني المكوّن للبلد سيهز مبدأ العيش المشترك ويسيء إلى وحدة البلد واستقراره وسلمه الأهلي.