طارق ترشيشي
بعد إقرار “حكومة الأكثرية” المقيمة في “الفندق الحكومي الكبير” حسبما بدأ يسمّيه بعض اركان المعارضة نظام المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومشروع الاتفاق في شأنها بين لبنان والأمم المتحدة، لم يعد هناك أي معطى يمكن البناء عليه للوصول الى تسوية بين الفريقين لأن كل فريق سيعتبر نفسه مهزوماً إن هو قدم تنازلاً للآخر.
فالأكثرية باتت في موقع لم تعد قادرة فيه على تقديم أي تنازل في اتجاه تأليف حكومة وحدة وطنية أمام المعارضة التي لم تعد في المقابل قادرة على تقديم تنازل بقبول الأمر الواقع، علماً بأن المماحكة حول هذه المحكمة انتقلت الى مكان آخر.
وهذا الواقع يكشف بالمعنى السياسي أنه لم يعد هناك أي معطى تسووي يمكن ان يساعد على إحداث ثغرة في الطريق المسدود. علماً بأن توازن التأثير الاقليمي في ما هو قائم يكاد يكون متوازناً مع التأثير الدولي. فالولايات المتحدة تضغط لحماية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والفريق الاكثري الذي تمثله. والفريق المعارض في المقابل يرى أن هذا الضغط لا يتعدى حدود الكلام.
إلا أن الأحداث الجارية كشفت، في رأي اوساط معارضة، ان الأكثرية الحاكمة خسرت ثلاثة رهانات على ثلاث مسائل أساسية جوهرية:
الأول كان على رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي رغب في سلوك متوازن وتصرف كرجل دولة مسؤول. فافترض الاكثريون أن في امكانهم ان يحوّلوه عن هذا التصرف وبالتالي إلحاق هزيمة سياسية به لاحقاً ولكنهم سرعان ما فجعوا في ذلك.
الثاني كان على محاصرة رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون في الشارع المسيحي في مرحلة اولى، ثم إسقاطه في هذا الشارع بعد وقوع جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل في مرحلة ثانية. فتبيّن للأكثريين أن هذا الأمر صعب المنال في كلتا المرحلتين، وكان أن الموج الذي أرادوا إغراق عون به قد ارتدّ عليهم.
الثالث كان على الصراخ الأميركي. إذ راهن الاكثريون على ان هذا الصراخ الذي ارتفعت وتيرته جداً بعد وقوع جريمة اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005، سترتفع مجدداً بعد جريمة اغتيال الوزير الجميّل، فإذا به يأتي صدىً وليست له أي مفاعيل عملية.
ولذلك يبدو من الوقائع الماثلة أن الاكثرية فُجعت بنتائج هذه العناوين وعادت الى نقطة ما قبل 21 تشرين الثاني الجاري بالمواقف نفسها والاطراف نفسها، وتبيّن لها أن هناك إصراراً اكبر لدى المعارضة على مقارعتها سياسياً وعلى مستوى الواقع الشعبي. وإذا كانت هذه المعارضة لم تكشف قواها الفعلية على الاقل، فإن الأكثرية اكتشفت، في ضوء حجم الحضور في تشييع الوزير الجميل، أن قواها لم تعد في مستوى وحجم “14 آذار” في الشارع.
من الواضح أن الاكثرية بدأت تستعد لجولة مواجهة جديدة مع المعارضة، وسلاحها فيها سيكون المحكمة الدولية والرهان على التقرير الأخير لقاضي التحقيق الدولي سيرج براميرتس المقرر صدوره منتصف كانون الأول المقبل، من دون ان تدرك بعد ان حسابات الولايات المتحدة على هذه المحكمة هي حسابات تصب في مصلحة إسرائيل على رغم ان بعض الاكثريين سمعوا شخصياً في الآونة الاخيرة من مسؤولين في الادارة الاميركية وعلى رأسهم المندوب الاميركي في مجلس الامن جون بولتون ما تريد واشنطن تحقيقه من اهداف من خلال المحكمة الدولية وهي اهداف تجعل موضوع كشف قتلة الرئيس الحريري والجهات التي تقف وراءه في آخر الأولويات الاميركية لا في صدارتها. بل إن واشنطن عكست من خلال كلام بولتون أنها تريد لهذه المحكمة أن تكون منصة للثأر لإسرائيل بعد الهزيمة التي ألحقتها المقاومة بها وبمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الاميركي ــــــ الاسرائيلي في تصديها وإحباطها لأهداف العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز الماضي.
غالب الظن ان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيكون نقطة الاستهداف المركزية لدى الأكثرية في مقبل الايام بعد ان عطلت من حيث تدري او لا تدري مجلس النواب بعد تهميش رئاسة الجمهورية بـ“إقرارها” غير الدستوري لمشروع المحكمة الدولية وحوّلته كرة نار تستعد لرميها في ملعب رئاسة مجلس النواب.