حمّلت مصادر مطّلعة قريبة من قصر بعبدا «قوى الأكثرية النيابية والوزارية الموقتة» مسؤولية أي تأخير يمكن أن يطرأ على إنشاء المحكمة الدولية التي ستتولى محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، «نتيجة المواقف التي اتخذتها هذه القوى والممارسات الاستفرادية التي لجأت إليها والتي أضرّت بالإجماع الوطني على ضرورة قيام هذه المحكمة لمعرفة الحقيقة».واعتبرت أن «رفض قوى الأكثرية الموقتة كل نقاش وبحث لمشروع الاتفاق الخاص بإنشاء المحكمة والإصرار على إقراره كما ورد من الأمم المتحدة، أحدثا حالة من الاستفزاز كان من الأفضل عدم إيصال هذا الموضوع الحسّاس إليها لو تم التشاور في الملاحظات الدستورية والقانونية التي أبداها رئيس الجمهورية العماد إميل لحود حول الصيغة المقترحة لنظام المحكمة وآلية عملها، إضافة إلى عدم الإفساح في المجال أمام القوى السياسية الأخرى خارج إطار الأكثرية لإبداء رأيها ضمن مهلة زمنية مقبولة ومعقولة».
ولفتت المصادر الى أن «قوى الأكثرية الموقتة سعت إلى فرض صيغة المحكمة أمراً واقعاً ووجّهت الاتهامات إلى كل طرف أبدى رأياً أو ملاحظة قانونية (...) فيما كل النصوص القانونية يجب أن تُناقش بعيداً من التسييس ولا سيما أن مهمة المحكمة حساسة ودقيقة ويُفترض أن يتوافر لها الإجماع الوطني». ورأت أن «الأكثرية بموقفها المتسرّع جعلت شركاءها في الوطن ينفرون متسائلين عن الأسباب الحقيقية التي تدفعها إلى المضي في سياسة التفرد وقطع الطريق أمام التوافق الوطني».
وأوردت المصادر «مثالاً على تفرّد الأكثرية الموقتة وتسلّطها ما حصل مع الملاحظات التي أبداها الرئيس لحود على الصيغة الأخيرة للاتفاق مع الأمم المتحدة واستناداً إلى حقه الدستوري (...) فحاولت الأكثرية الافتئات على هذا الحق وادّعت أن تفويضاً أعطي من مجلس الوزراء لوزير العدل ومنه للقاضيين رالف رياشي وشكري صادر للمفاوضة باسم الدولة اللبنانية مع الأمم المتحدة، وهو ما لم يحصل إطلاقاً لأن القاضيين رياشي وصادر كلّفا المتابعة مع الأمم المتحدة لشرح القانون اللبناني الذي ستستند إليه المحكمة، ولم يكلّفا مطلقاً المفاوضة في صيغة المحكمة». وحمّلت وزير العدل شارل رزق مسؤولية الوصول «إلى المأزق الراهن لأنه لم يكن يضع رئيس الجمهورية في صورة الاتصالات التي يجريها القاضيان في الأمم المتحدة، بعدما تبين أنهما دخلا مع المسؤولين الدوليين في كل التفاصيل وفاوضا على عبارات ونصوص لم يكونا مخوّلين التفاوض فيها».
وأدرجت المصادر سلسلة «ملاحظات تقنية جرى الأخذ ببعضها وأهمل البعض الآخر»، فسجلت أن «الملاحظة التي أبداها الرئيس لحود على غياب نظام تمويل المحكمة سُوّيت جزئياً في المادة الخامسة من الاتفاق، إلا أن المسألة لا تزال تحتاج إلى اتفاق مفصل ومستقل. كذلك الأمر بالنسبة إلى المحاكمات السابقة للأشخاص المتهمين وغيرها من النقاط التفصيلية، مع بقاء نقاط أخرى غامضة وعالقة مثل ملء الفراغ في حال شغور أحد المناصب في هيئة المحكمة أو تنحّي القضاة أو تعليق مهماتهم»، مسجلة في هذا الإطار «بدعة» تتعلق بأن يضع قضاة المحكمة أنفسهم بعد تأليفها نظام إجراءات المحاكمة لديها.
وقالت المصادر: «في ضوء هذه الملاحظات وغيرها يتبين أن تعاطي الأكثرية الموقتة ومعها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مع ملاحظات رئيس الجمهورية جاء سلبياً لأنه ارتكز على اعتبارات سياسية، ليست قانونية ولا دستورية، ما يعني أن ما يهم هذه الأكثرية الموقتة هو قتل الناطور، وليس أكل العنب بدليل أنها لو أرادت فعلاً الوصول إلى إنشاء المحكمة كما يريد الرئيس لحود لكان عليها أن تدرس الملاحظات وتفسح في المجال أمام اعتماد الآلية الدستورية، لا أن تتجاهل دور رئيس الجمهورية ومسؤوليته في المفاوضة في المعاهدات الدولية، ولكانت أفسحت في المجال أمام سماع آراء الأطراف الآخرين وملاحظاتهم لإشراكهم في القرار على مستوى وطني ولا سيما أن الصيغة الدولية المقترحة أرسلت إلى هذه الأطراف لإبداء ملاحظاتها، لكن لم يعط لها الوقت الكافي لذلك، ما يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن المطلوب ليس سماع الملاحظات ودرسها والأخذ بالمحق والشرعي فيها بل المطلوب البصم فقط. وهذا النهج الملتوي الذي اعتمدته الأكثرية الموقتة أوصل موضوع المحكمة إلى المأزق القانوني والدستوري الراهن، الذي تتحمل مسؤوليته كاملةً الأكثرية التي تصرفت وكأنها الآمر الناهي في البلاد، وأنه ليس هناك رئيس جمهورية محددة صلاحياته بالدستور، ولا رئيس مجلس نواب ولا أطراف سياسيون شركاء في المسؤولية الوطنية استناداً إلى صيغة ميثاق العيش المشترك».
(الأخبار)