كارل كوسا
رغم أنّ عنوان معرض الإعلام المسيحي الخامس لهذا العام، حمل اسم «إعلامنا: وحدة وسلام»، فإنّ المنظّمين أبوا إلّا أن يصنّفوا لبنان ثقافتين، (حرب وسلام)، معتبرين، في خرق جلي (لا وحدويّ) لعنوان المعرض، أن «حرب تمّوز الأخيرة عادت بنا سنوات إلى الوراء». وكان افتتاح المعرض، الذي دعا إليه الاتّحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة (لبنان)، قد أُرجئ يوماً، حداداً على استشهاد الوزير الجميّل. وارتأى الأب طوني خضرة أن يطلق عليه «معرض الصمود»، لأنّه جاء تحدياً «للمجرمين»، متمنياً على الإعلام تبنّي قضية الإنسان.
فطرحت الندوة الأولى تساؤلاً «هل الإعلام عامل وحدة أم تفرقة؟». ودقّت مديرة الأخبار في تلفزيون «الجديد» مريم البسّام ناقوس الخطر، مشيرة إلى أنّ «العائلة الإعلامية تخوض أكثر المراحل دقّةً وخطورة»، جازمة بأنّ «إعلامنا في مأزق فرضه الفرز السياسي، وبالتالي، فهو يدفع ثمن سياساتنا». وتساءلت البسّام «هل تجرؤ محطّة تعكس توجّهات 14 آذار على دخول معقل 8 آذار، والعكس صحيح». كما استشهدت بما تعرّض له فريق «الجديد» في مأتم الجميّل. ورأت أن معاناة «حرب المطاردات في الشوارع» توحِّد الإعلاميين. وشرّحت الواقع الإعلامي الحالي «إنّ رفض أي سياسي عريق لقناة ما، ينحو بجماهيره إلى محاربتنا (القناة)، فإزالتنا، وأصحاب «الساتيلايت» يتكفّلون بأخذ المبادرة». ووضّحت البسّام أن «السياسي هو من يُعبّئ الشارع، لا الإعلام»، مؤكّدة ضرورة الغربلة تجنّباً للويلات فـ«لو بدنا نقول كل شي بيقولوا لنا اياه منعمل حرب». وعن موضوع الوحدة قالت البسّام إن النية متوافرة لدى وسائل الإعلام، لتكون عامل جمع، لكن «يضطرّها سياسيّون لتسجيل موقف... فأي إعلام بلا لون أو موقف؟». ونفت وجود إعلام مجّاني «فالإعلام ليس كاريتاس، بل سياسي موجّه»، لذا فلا يمكن «أن أكون موضوعيّة في الحرب».
بدوره، أكّد مسؤول الأخبار في «صوت الغد» حبيب يونس أنّ حجّة الحقّ أقوى من حجّة القوي «المستقوي بشوية مصاري وبكثير من العهر، وهو ليس قويّاً إلّا في ضرب الذاكرة، فكره التاريخ بدأ من لمّا هو قرّر يكوِّع». واستشهد بحادث جرى في حديقة حيوان، عندما نهش نمر زائراً، «فبدّى صحافي موجود حسّه المهني على الإنساني... ومات الرجل». واعتبر أن الصحافيين «بإمكانهم ابتداع فضيحة يومياً، لكن لو فكّروا قليلاً للاحظوا أنّها قد توقد حرباً». ورفض يونس أن يكون السبق الصحافي هدفاً بذاته، بل «الهدف حماية الناس، من أجل الحقيقة». وأسف لأن تصبح الحقيقة، في عصرنا هذا، «موضة» وأن لا يقصدها الناس بمفردهم للبحث عنها، مكتفين بالذهاب إلى حيث يوجَّهون ويبرمَجون. واختصر يونس قانون المرئي والمسموع مسميّاً إياه بـ«المرقوع»، لكونه مفصّلاً على قياس سلطة رأس المال. وأجمع المنتدون على أن أرقام «الملايين» في التظاهرات ليست صحيحة، بل خطّة إعلامية في جولة «كباش» سياسي.
ندوة أُخرى لمناسبة ترجمة كتاب «المسيحية عبر تاريخها في المشرق»، الذي كان تأليفه ضرورة بعد أحداث «اا أيلول» لتصويب صورة الإرهاب المنسحبة على العرب. الكتاب سرد لتواريخ الطوائف المسيحية في الشرق، وتطرّق إلى موضوع وحدة المسيحيين. فاعتبر جوزف أبو نهرا، في معرض الندوة، أن «الحماية الأجنبية ليست سوى كذب، ولم تسفر يوماً إلا عن كوارث، وتفريق المواطنين، الذين أكّدوا عبر التاريخ وحدتهم للدفاع عن إرثهم المشترك».
كما تطرّقت الندوة إلى موضوع «تهجير المسيحيين من الشرق»، فخيّرهم أبو نهرا: «أمام كل أقلية خياران، إمّا أن تنطوي وتنعزل وتحيا في الخوف، أو أن تنخرط في العالم المحيط بها فتمسي أقليّة طليعيّة، ترفض إلغاء خصوصية هويتها».
يُذكر أنّ نشاطات المعرض المقام في دير مار الياس في أنطلياس، تستمرّ حتّى 3 كانون الأول المقبل، ويتخلّلها معرض للصور الفوتوغرافية الموثّقة ليوميّات عدوان تموز، ودورة إنترنت مجّانية عن المسيحية والإنجيل، ومتحف ليتورجي (ألبسة ومتعلّقات طقوسية)، إضافة إلى مسابقات وتواقيع عدّة.