رياق ــ علي فوعاني
أبنية مخلّعة الأبواب والنوافذ، قاطرات حديدية يكسوها الصدأ، شجيرات أشواك تنبت عشوائياً بين القضبان وتكاد تحجب العربات. أسطح قرميدية فكك بعضها وترك البعض الآخر يواجه تقلّبات المناخ. بضعة عمّال يتماهون مع صمت الأماكن الموحشة. قلّة بينهم عايشت مجداً غابراً وجلست تتذكره بحسرة من فقد عزيزاً.
اختيرت رياق لتكون همزة وصل بين بيروت والداخل السوري لدى انطلاق العمل في بناء محطة السكك الحديدية بامتياز فرنسي ــ بلجيكي عام 1893، فكان تدشين خط بيروت ــ دمشق بعد سنتين من ذلك، إيذاناً بدور استراتيجي لهذه المحطة جعلها شريان النقل الرئيسي لمرفأ بيروت. بيد أنّ الحرب العالمية الأولى أصابت الخطوط الحديدية بأضرار جسيمة، فسارعت سلطة الانتداب الفرنسي الى ترميم إنشاءاتها المتضررة في سوريا ولبنان فور انتهاء الحرب، الى ان أعيد السير عام 1921 على جميع خطوطها.
رأت محطة رياق خلال الفترة الممتدة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عصراً ذهبياً، إذ صارت إحدى المحطات المركزية المهمة في الشرق، فكانت ملتقى خطّين رئيسيّين: خطّ حمص ــ رياق الآتي من تركيا وأوروبا، وهو خط عريض. وخط بيروت ــ رياق ــ دمشق ــ الحجاز، وهو خط ضيّق، ويدعى خطّ الحجاز، بالإضافة إلى خطيّ طرابلس ــ بيروت ــ بئر السبع ــ مصر، وخط حمص ــ ميناء طرابلس.
بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بدأت حركة القطارات تخفّ تدريجاً، الى ان توّجتها القطيعة الجمركية بين لبنان وسوريا عام 1956. ثم ما لبث السوريون ان أوقفوا الخط عام 1974. ومع دخول الجيش السوري الى لبنان تمركزت وحدات منه في منشآت محطة رياق، ولم تغادرها إلاّ مع انسحابها النهائي في نيسان من العام الفائت. إلاّ ان محاولات كانت قد جرت قبل ذلك لإعادة تأهيل خط رياق ــ سرغايا المتجه نحو دمشق والذي يبلغ طوله 14,5 كلم، وكانت العلاقات بين البلدين حينذاك تشهد «عصرها الذهبي». وقد بدأ العمل فعلياً على الأرض عام 2004، ولكن كانت دونه عثرات كثيرة. وقد جرى تلزيمه إلى مؤسسة الخط الحديدي الحجازي بمبلغ 700 ألف دولار، على أن تجري الاستعانة بالقضبان الموجودة سابقاً، مع الملاحظة أنّ هذه الشركة السورية مكلّفة تأهيل الخطوط فقط، لا المحطات. وكان مقرراً ان تنفّذ المشروع في غضون أشهر.
ومع انهيار العلاقات اللبنانية ــ السورية، توقّف العمل في مدّ القضبان الحديدية على بعد كيلومترين أو أكثر قليلاً من رياق. وهناك اتصالات تجري الآن لمعرفة العوائق السورية وما إذا كان المشروع سيستغنى عنه أم سيوضع في الثلاجة بانتظار مشروع آخر أشمل. فالمفارقة هنا ان هذا المشروع يقوم على إنشاء خط ضيّق، فيما لجنة النقل اللبنانية ــ السورية ــ الأردنية كانت قبل ذلك قد وافقت على إقامة خط عريض يربط عمّان بدمشق وبيروت. لكن يبدو ان الجانب السوري يتريّث آخذاً في الحسبان ان هذا الخط سيتبدل في وقت ما خلال سنوات ليصبح خطاً عريضاً. ويكشف مصدر مطّلع عن وجود عقبات بيروقراطية ومالية وتمويلية كثيرة تواجه المشروع الثلاثي. ويشير المصدر الى ان الخط الحديدي بين رياق وبيروت لا يمكنه ان يمرّ على المسار السابق، لأنّ انحداره في المناطق الجبلية يصل الى سبعين في الألف. وهذه النسبة لم تعد مقبولة من الاتحاد الدولي لسكك الحديد بسبب خطورتها على حركة القطارات وحدّها من السرعة الى درجة كبيرة ومنعها المشحونات الضخمة، فيما يفترض ان تقوم سكك الحديد على السرعة والأمان ونقل كميّات ضخمة من البضائع، مؤكداً ان هناك تصوّرات لنفق يمكن ان يمتد حوالى كيلومتر ونصف كيلومتر أو أكثر بقليل، ما يعدّل في المسار ويختصر المسافات.