جوزف سماحة
بدأ أسبوع الشرق الأوسط أميركياً بزيارة نائب الرئيس ديك تشيني إلى المملكة العربية السعودية، وسيبقى أميركياً باللقاءات التي سيعقدها جورج بوش في عمان، ويستمر أميركياً عبر الاجتماعات التي تضم كوندوليزا رايس ووزراء خارجية عرباً في إطار «منتدى المستقبل». مواضيع البحث: العراق، فلسطين، لبنان، البروز الإيراني، التطرّف والاعتدال، الإرهاب... إنها، بالضبط المواضيع التي يبحثها حلف شمالي الأطلسي في اجتماعاته البادئة اليوم في ريغا (لاتفيا).
عاش الحلف بعد انتهاء الحرب الباردة. تكيّف مع أدوار جديدة عند أحداث البلقان. أوجد صياغات متعدّدة لعلاقاته مع دول أخرى في العالم (روسيا أو أوكرانيا أو دول متوسطية). أدخل تطويراً على عقائده واستراتيجياته وتعريفاً جديداً لمسرح عملياته. كانت محطة الاحتفال بالذكرى الخمسين للتأسيس مهمة. كذلك محطة اسطنبول الأخيرة. وكان مطلوباً، في السنوات الماضية، إعادة إجمال التعديلات المتفرّقة وإدراجها في وثيقة برنامجية جديدة. إن هذه هي مهمة القمة اليوم. سيصدر عنها «الإرشاد السياسي الشامل» الذي يفترض فيه أن يكون دليل عمل «الناتو» لحوالى عقد ونصف عقد.
لم يذع رسمياً، بعد، نص الوثيقة الجديدة. ولكن بات معروفاً أنها تتضمن الخطوط العريضة الآتية:
ــ تواجه دول الحلف تحديات مشتركة تقضي بالانتقال من الدفاع عن الحدود الوطنية إلى التدخل في الخارج.
ــ يمثّل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل أبرز التهديدات البازغة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة.
ــ ثمة مخاطر أخرى ناجمة عن التعثّر الذي يصيب دولاً، وعن النزاعات الإقليمية، وعن وفرة الأسلحة التقليدية، وعن العوائق الحائلة دون تدفق النفط والغاز.
ــ لم تعد المهمة المركزية للأطلسي كما كانت بين 45 و90. لقد تعدّدت المهمات وباتت تشمل أشكالاً متنوعة من الأعمال العسكرية تبدأ بالحرب الشاملة وتنتهي بمهمات حفظ السلام.
ــ يفترض بناء القوات وتوزيعها بشكل يسمح بالتعاطي مع أزمات متعددة تندلع في وقت واحد.
ــ البحث في ما هو قائم حالياً ومشكلاته واحتمالات تطوير صيغ المعالجة: كوسوفو، أفغانستان، الدوريات الجوية فوق دول البلطيق وسلوفينيا، الدوريات البحرية في المتوسط، تدريب الجيش العراقي، الدعم اللوجستي لقوات حفظ السلام الأفريقية في دارفور.
ــ تطوير الأشكال المختلفة للعلاقات التي أنشأها الحلف وبشكل خاص «الحوار المتوسطي» (مع موريتانيا، المغرب، الجزائر، مصر، الأردن، إسرائيل)، وإرهاصات الصلة مع دول الخليج.
إن مراجعة سريعة للعقائد الأطلسية الجديدة تؤكد أنه إذا كان من منطقة يفترض بالسياسة الغربية الاهتمام بها فهي تلك المسماة «الشرق الأوسط الكبير». إن اجتماعات ريغا ستبحث في عناوين أخرى: مظاهر مقلقة في السلوك الروسي، توزع الإنفاق العسكري بين دول الحلف، مصير قوات التدخل السريع المقترحة، زيادة دور حلفاء من خارج الناتو، إعادة توزيع الالتزامات والبحث في احتمالات توسيع...
هذه العناوين ستطرح، إلا أن التحالف مضطر إلى تركيز الاهتمام على «مسرح العمليات الجديد». نضع جانباً أن أزمة كوسوفو لم تحلّ تماماً فالأهم من ذلك أن المهمة المركزية للحلف، وهي المهمة البرّية الأولى له بهذا الحجم، تعاني صعوبات جمّة. إن الوضع في أفغانستان مفتوح على الاحتمالات كلها والواضح أن مشاكل كثيرة تعترض زيادة الالتزام المادي والعسكري. وما يقال عن أفغانستان يقال عن القضايا الأخرى التي تواجهها دول «الناتو» ولو أن «المؤسسة» غير منخرطة تماماً فيها.
لم يجد الملك الأردني عبد الله ما يستبق به زيارة بوش إلى عمان إلا التحذير من احتمالات الحروب الأهلية في العراق وفلسطين ولبنان. صحيح أن «الأطلسي»، بصفته كذلك، غير معنيّ ولكن الأصحّ أنه، في ضوء عقائده الجديدة، مضطر إلى التعاطي مع هذه المنطقة.
إن جورج بوش المتوجّه إلى ريغا ومنها إلى عمان رئيس ضعيف. شريكه في الأزمة العراقية طوني بلير ضعيف. شريكه في الأزمة اللبنانية جاك شيراك ضعيف. شريكه في الأزمة الفلسطينية إيهود أولمرت ضعيف. والسبب في ضعف هؤلاء جميعاً هو الفشل الذي أصاب سياساتهم، وحوّل مشاريعهم الإنقاذية إلى بؤر توتر مهدّدة بالانفجار.
لذا سيكون لنا في عمان الاختبار الأول لما جرى التوافق عليه في ريغا. إلا أن رسالة «الأطلسي» ستبقى محكومة بالرسول، والرسول نفسه مسؤول إلى حد كبير عن حرائق المنطقة.