أنطون سعد
شكّلت زيارة مجموعة من أعضاء «لقاء قرنة شهوان» السابق إلى بكركي أمس، مفاجأة للأوساط المراقبة القريبة من البطريركية المارونية، وتساؤلاً عن الغرض من استعارة هذا اللقاء السياسي المولود في ظروف معينة لتحقيق أهداف محددة، والذي انتهى دوره عملياً بانسحاب الجيش السوري من لبنان واستعادة لبنان سيادته وحرية قراره السياسي. وبقطع النظر عن الدور الملتبس الذي أداه بعض أعضاء اللقاء في الانتخابات النيابية الماضية، لناحية اعتماد قانون عام ألفين وإعطاء تغطية مسيحية لـ«التحالف الرباعي» الذي أثار اعتراض الرأي العام المسيحي عموماً، فإن لقاء قرنة شهوان أدى دوراً مهماً على مستوى الترجمة العملية للمواقف المبدئية الوطنية التي أخذها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في مواجهة الهيمنة السورية على لبنان.
وفي اعتقاد كثيرين أن هذا اللقاء تمكن في شكل خاص من تحقيق تواصل إسلامي ــ درزي ــ مسيحي شكّل القاعدة الأساسية الصلبة لانطلاق انتفاضة الاستقلال، قبل وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبحسب سفير لبنان في واشنطن سابقاً سيمون كرم، فإن «استشهاد بيار الجميل وجبران تويني، على مأساويته وفداحته، لا يضيف إلى طليعية ولبنانية لقاء قرنة شهوان، والدور الرائد الذي اضطلع به في آخر سنوات الوصاية، إلى جانب الكنيسة المارونية والبطريرك صفير». ويعتبر كرم أن «الغلطة السياسية الفادحة التي أدت إلى انهيار اللقاء وتضعضع صدقيته، هو فشله في اللحظة الحاسمة في التصدي للصفقة الداخلية ــ الخارجية التي أوصلت إلى قيام التحالف الرباعي والمفاعيل السياسية الناتجة منه، من اعتماد قانون الألفين والتحالف الانتخابي مع «أمل» و«حزب الله» على حساب الشركاء الشيعة والمسيحيين، إلى إعادة نبيه بري إلى رئاسة مجلس النواب، إلى الشراكة السياسية الملتبسة مع «حزب الله» في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي أدت إلى الانهيار الراهن».
انهار عقد اللقاء إبان المعركة الانتخابية النيابية الماضية بتوزع أعضائه على فئات ثلاث:
ــ الأولى، وهي النسبة الكبرى من أعضاء اللقاء، انضوت إلى ما بات يعرف بـ«قوى 14 آذار» وخاض معظمها الانتخابات على لوائح التحالف الرباعي، وهي اليوم في جانب الأكثرية النيابية.
ــ الثانية انضمت إلى العماد ميشال عون، وخاضت أيضاً الانتخابات على لوائحه.
ــ الثالثة، قليلة العدد نسبياً، فضّلت البقاء على الحياد ملتزمة خط بكركي.
المجموعة التي زارت الصرح البطريركي أمس هي من الفئة الأولى التي تحركت في المرحلة الأخيرة تحت اسم «مسيحيو 14 آذار» وعقدت اجتماعات في منزل الرئيس أمين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، ويبدو أنها قررت في النهاية العودة إلى الاجتماع باسم لقاء قرنة شهوان، ولكن من دون محاولة الاتصال بأعضاء الفئتين الثانية والثالثة، ومن دون حضور راعي أبرشية أنطلياس المطران يوسف بشارة الذي لم يشارك في لقاء السوديكو أول من أمس ولم يرافق المجموعة إلى بكركي كما درجت العادة في كل مرة زار لقاء قرنة شهوان الصرح البطريركي في الماضي. وفي أية حال، لا مؤشر حتى الآن يدل على إمكان أن يشارك المطران بشارة في اجتماعات لقاء قرنة شهوان الجديدة.
وفي اعتقاد كرم «أن الماضي لا يمنع أن يحاول لقاء قرنة شهوان إحياء نفسه في اللحظة السياسية الراهنة، لكن باب عودته الشرعية إلى الحياة السياسية هو بالوقوف إلى جانب البطريرك في مسعاه المضني وشبه اليائس إلى إعادة لمّ شمل المسيحيين، لكي يؤدوا دوراً مطلوباً في منع انزلاق الأوضاع اللبنانية إلى هاوية الحرب الأهلية. ويسقط هذا اللقاء مرة ثانية في المحظور إذا أراد نفسه وقوداً إضافياً في التوتر القائم الآن على الساحة المسيحية بين فرقاء النزاعات المسيحية السابقة، والتي لم يكن مرة طرفاً فيها».
تحاول بالنتيجة مجموعة من لقاء قرنة شهوان إحياء اللقاء مستغنية عن عدد من أعضائها الأساسيين وبغياب المطران يوسف بشارة وفي غير المكان الذي أعطاها اسمها، متبنّيةً أجندة سياسية متمايزة عن هواجس بكركي الملحة. وقد دفع كل ذلك مرجعية روحية إلى التساؤل: «ليش بعد في قرنة شهوان؟».