strong>كارل كوسا
تحوّلت ذكرى مرور أسبوع على اغتيال وزير الصناعة الشهيد بيار الجميّل، أمس، متراساً لاستئناف هجوم السلطة على «الأقليّة» المعارِضة. وبلغ التصعيد السياسي حدّ التخوين، فالتحريض.
في الثالثة والربع من بعد الظهر، بدأ شباب 14 آذار يتوافدون، بشكل خجول، إلى ساحة الجريمة، وسط حضور ملحوظ لتلامذة المدارس، الذين عُلِم أنّهم صُرِفوا باكراً، من أجل المشاركة في الذكرى. بسطة «أكسسوارات» (طائفية ــ حزبية) هي أوّل ما يلفت انتباه «المتحمّسين» المتوافدين إلى منطقة الجديدة. تحمل البسطة في طيّاتها أعلاماً و«بينز» و«تي ــ شيرت» وقبّعات، وكل مستلزمات أنصار تيار المستقبل والقوّات والكتائب و«الوطنيين الأحرار». وعلّقت صورة كبيرة للشهيد على مسرح الاحتفال، ودوّت مقاطع من خطابات له لتذكِّر بعنوان المناسبة الأساس.
صرخة «الله... قوّات... حكيم وبس» تختلط مع أصداء مقطع من نشيد يقول «من زمان، من زمان... نفس القصّة، من زمان». «مقاومون حتّى الحريّة» شعار كان مدوّناً على ظهر «تي ــ شيرت» أحد الكتائبيّين. غاب اللون البرتقالي عن صورة الحشد أمس كليّاً. ولم يتجلَّ حضوره إلّا من خلال شتائم كانت تُطلق، بين تصريح وآخر، بحقّ الجنرال ومناصريه. وطغت رموز القوّات اللبنانية على غيرها (حتّى الكتائبية) لتعود بالحاضرين إلى أيّام يُجمع الكلّ على أنّها ولّت ولن تعود، ولكن كل شيء أمس كان يشير إلى عكس ذلك، ابتداءً من «بك ننتصر» و«الصليب المشطوب» (التي كانت القوات أعلنت تخلّيها عنه، إثر خروج الحكيم من السجن)، ومروراً بشعار «فيدرالي» أنتجته الحرب الأهلية الأخيرة، وصولاً إلى «وحدها بتحمي الشرقيّة... القوّات اللبنانيّة». حتّى إنّ إحدى المشاركات اشتكت من طغيان الولاءات الطائفية والحزبية على الوطنية، آسفة لغياب شبه كلّي لعلم لبنان، على حساب أعلام الأحزاب.
تمنّى الكاهن من الجَمْع الدخول في جوّ الصلاة، بعد أن وُزِّعت أوراق لهذه الغاية حملت اسم «صلاة تشفّع لأجل شهدائنا الأبرار». لم تنفكّ الأعلام الحزبية ترفرف يمنةً ويسرة، أثناء الصلاة، ليُعرف من عملية التصليب أنّ الأكثرية الحاضرة كانت مسيحية. وهمّ القواتيّون في محاولة لفرض وجودهم بقوّة على هذه الأكثريّة، استعانةً بالخطابات التي لم ترحم العونيين «الخارجين» عن خط المسيحية الأساس و«المهمِّشين لدور الكنيسة في الـ15 سنة الأخيرة». فدان «الرفيق» جان أنطونيوس (باسم مصلحة طلاب الكتائب) حملات شُنّت على الوزير الشهيد، مُحذّراً من أن «دماء بيار، التي أطلقت الانتفاضة الثانية، لن تذهب هدراً». ولفت رئيس منظّمة الشباب التقدّمي ريان الأشقر إلى «أننا نحن الذين أكّدنا في انتخابات «الأميركية» و«الأنطونية» ونقابة الصيادلة وفي كل المدارس والمعاهد أننا الأكثرية الحقيقية». أمّا رئيس قطاع الطلاب في «الوطنيين الأحرار» فوصف الخصوم السياسيين بأنّهم «ثقافة الموت ونحن ثقافة الحياة. نحن نحتمي بدماء شهدائنا، وهم بأنظمة قاتلة». وفي غمز من قناة المقاومة قال: «نحن هنا لنكمل مقاومتنا المتجلّية في سحب مخابراتهم وأزلامهم من لبنان». بدوره، رأى رئيس «شباب المستقبل» نادر النقيب، متوجّهاً إلى «شباب 14 آذار» أنّ «المجرم واحد، وما في عنده مخّ بالمرّة... إنّه «ليس صُنِع في لبنان».
انتهى اليوم «التأبيني» بسلسلة بشريّة، امتدّت، يداً بيد، من أمام بيت الكتائب في الصيفي، مروراً بمبنى «النهار»، حيث تُليَ قسم جبران، وساحة سمير قصير، انتهاءً بضريح الرئيس الحريري. هناك أُكملت حملة التطاول على رموز المعارضة بشتائم ونعوت نابية شملت العماد عون والسّيد حسن والرئيس برّي وسوريا. «اللي قتل بيار بدنا نشرب دمّاته» كانت من شعارات الجولة الأخيرة. واتّهم، أخيراً، النائب أكرم شهيّب الفريق الآخر بأنّه «حماة البعثيين في لبنان». ولأنّ شر البلية ما يضحك، اصطحبت سيّدة «سيريلانكيتها» معها إلى ساحة الشهداء، بعد أن ألبستها «تي ــ شرت» القوّات «وبك ننتصر»، وحفّظتها ما ينبغي ترداده من عبارات كـ «syria barra» و«بدنا محكمة» و«موتي قاتل».