ردّ اللواء السجين جميل السيد على كلام لرئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع بثته محطة «العربية» التلفزيونية. فقال في بيان وزعه محاميه أكرم عازوري: «أولاً إن الدكتور جعجع ربما تناسى أو تجاهل أنه جرت بيني وبينه، في صيف وخريف عام 1993، ما يقارب ثلاث عشرة جلسة سرية وخاصة في منزله في غدراس، ومعظمها بحضور زوجته السيدة ستريدا، وصحافي صديق مشترك كوسيط، حيث كان محور الجلسات يدور حول مبادرتي، بتكليف من قيادة الجيش، لإقناع الدكتور جعجع بأن الجيش لا ينوي المواجهة معه، وأنه حر التصرف في أي دور سياسي يقوم به، وهذا حقه وخياره، لكن القرار السياسي لمجلس الوزراء يلزمنا بمطالبته بحل الميليشيا العسكرية والأمنية التابعة له وتسليم سلاحها. وكنت أقدم له مختلف الحجج المقنعة بما فيها كل التوضيحات عن تساؤلاته، إلى أن أوشك على الاقتناع في الجلسات الأخيرة، وطلب مهلة لمراجعة بعض أركان السلطة السياسية. ثم عاد بعدها ليقول لي إنه أجرى مشاوراته في الدولة واستنتج أن في لبنان دولتين: دولة الأمن التي تطالب بحل الميليشيا وتسليم السلاح، ودولة السياسة التى تقول له بعدم الاكتراث لطلبات الأمن، ويومها سألني من يصدّق؟». وكان ذلك بحضور زوجته والوسيط، فقلت له: «لا يوجد دولتان، بل دولة واحدة، فيها فريق يكذب عليك وفريق صادق معك، وأنا أمثل الفريق الصادق...»ثانياً: ولأن لا مجال لكل التفاصيل في هذا الرد المقتضب، فإنني بما أشرت إليه أعلاه للتأكيد بأن الدكتور سمير جعجع لم يتعرض لاستدراج أو فخ أو مكيدة من قبل مخابرات الجيش، بدءاً من المحادثات السرية معه وصولاً الى محاكمته والحكم عليه. فالأمن لم يضلّل سمير جعجع في أية مرحلة واكتفى هنا بذكر زوجته السيدة ستريدا، الشاهدة على ذلك، التي لم تنفك طوال فترة اعتقاله ترسل بطاقات معايدة سنوية للجيش، استمرت حتى يوم استقالتي من الأمن العام، وكانت تكرر فيها جملة واحدة، وهي: صديقك من صدقك لا من صدّقك، وذلك في إشارة لموقفي الأخلاقي والمبدئي في المحادثات السرية، والبطاقات لا تزال عندي، وأكتفى بهذا القدر من المرحلة.
ثالثاً: أما إذا كان الدكتور سمير جعجع يرى بأنه قد تعرض لافتراء أو ظلم أو تركيبة، أو إلى تحقيق مزور أو محكمة ملفقة، فإن هذه هي أيامه. اليوم كما هو معروف، باستطاعته المطالبة بإعادة فتح المحاكمة في أي ملف، علماً بأن كل ظروف التحقيق معه وتوقيفه لم تكن وليست حالياً من الأسرار الأمنية والقضائية لدى الدولة اللبنانية، كذلك لم تكن سراً في حينه على محامي جعجع الذين حصلوا على نسخ كاملة عنها. هذا عدا عن أن كل مراحل المحاكمة وفي كل الملفات، قد جرت في الضوء والعلن وبمواكبة وسائل الإعلام المحلية والخارجية، ومن قبل أعلى محكمة مدنية في لبنان، مؤلفة من أعلى القضاة، برئاسة قاض ماروني من طائفته نفسها، ويلقب بالقديس لنزاهته وكفاءته. هذا عدا عن كون التحقيقات السابقة للمحاكمة قد قام بها قاضيان مدنيان، من طائفة الدكتور جعجع نفسها. ومعظم هؤلاء القضاة، إن لم يكن كلهم، متمايزون، لا بل مخالفون للمناخ السياسي في حينه ومحترمون إلى درجة يستحيل خضوعهم لسطوة الأمن وأهوائه إذا وجدت.
رابعاً وأخيراً: وعلى أمل أن يتاح لي في المستقبل، مجال لسرد وقائع تلك المرحلة كاملة بكل حقيقتها، أشير الى استنكاري العميق لنقطة أثارها الدكتور جعجع من حيث أن بعض زائري اللواء السيد في مكتبه كان يسمح لهم بالإطلالة منه على ساحة النزهة للفرجة على جعجع فيها. وكونها نقطة تتعارض كلياً مع المنهجية الأخلاقية والمبدئية التي اعتمدها، فإنني أكتفي بالقول إن مكتب اللواء السيد لم يكن أبداً مطلّاً على ساحة النزهة، وهو يعرف ذلك كما زوجته ومحاموه، وإنه كان على الدكتور جعجع، مع ذلك، أن يسمي زائراً واحداً على الأقل كشاهد على كلامه، وهو يعرف بأن ذلك غير صحيح ولا يمكن أن يحصل إلا ممن يضمرون حقداً أو شماتة، والحقد والشماتة هما من صفات الضعفاء، ولست منهم الى اليوم، وهو يعرف ذلك، رغم اختلاف السياسة والطريق بيننا».
(الأخبار)