جان عزيز
يعتقد مسؤول أمني كبير أن أسلوب تنفيذ الجريمة التي أدت الى اغتيال الوزير بيار الجميل وأحد مرافقيه، في اختلافه عن أساليب الجرائم السابقة، يشكّل رسالة موجهة الى السلطات اللبنانية. ومفادها أمر من اثنين: إما «أننا لم يعد لدينا ما نخسره، وبتنا مستعدين لتوجيه ضرباتنا بأي شكل وطريقة، مهما تضمنت من مخاطر وثغر»، وإما «أننا لم نعد في وضعية ضعيفة، وبتنا قادرين على توجيه ضرباتنا وجهاً لوجه، من دون التوقف عند المخاطر والثغر».
أيّ من الترجمتين المحتملتين للرسالة الإجرامية هي الأدق؟ لا شيء راهناً قادر على الحسم. لكن المسؤول نفسه يشير الى أن ارتفاع نسبة مخاطر الانكشاف في تنفيذ اغتيال الشهيد الجميل، يقابله ارتفاع نسبة الاحتراف فيه أيضاً. وهذا أحد العوامل التي تصعّب مهمة العاملين على كشفه وجلاء خيوطه. ويشرح المسؤول الكبير أن نحو 20 دقيقة مضت قبل إبلاغ الجهات الأمنية بوقوع الجريمة، وهي مدة كافية لاختفاء مرتكبيها وإخفاء ما يجب إخفاؤه من معالمها. غير أن التحقيقات قائمة بتعاون لبناني ــ دولي، والأمل كبير بالوصول الى خيوط ما. ويكشف المسؤول الأمني أن عدد الشهود بدأ يزداد حول الجريمة. لأن الأيام الأولى فرضت نوعاً من الذهول أو الخوف أو التردد لدى بعض الشهود ربما، الأمر الذي بدأ يتغير في الساعات الماضية، ويؤمّن بالتالي كمية أكبر من المعلومات حول ما حدث يوم 21 الجاري.
ويكشف المسؤول الكبير أن ثمة جهات عدة يمكن وضعها تحت الشبهة نظرياً، ومنها جهتان حزبيتان محليتان، واحدة معارضة وأخرى موالية. طبعاً إضافة إلى جهات أخرى خارجية ممكنة. ويشرح أن عناصر تكوين الشبهة النظرية في هذه الجريمة بالذات، تشمل معرفة منطقة الجريمة ومحيطها، السوابق الجرمية وحيثيات تنفيذها، وطبعاً القراءة السياسية لجهة أهداف الجريمة واستخداماتها وتوظيفها.
لكن رغم ذلك كله، يجزم المسؤول بأن لا أدلة حتى اللحظة حول أي من الجهات المشتبه فيها نظرياً.
ومن جريمة اغتيال الشهيد الجميل ينطلق المسؤول الأمني الكبير لعرض صورة الوضع الأمني في البلد. فيحدد بداية الآتي:
1 ـ لقد كان لبنان قبل عام ونصف عام بلداً شبه سائب أمنياً، أقلّه لجهة الحدود والمعابر والأولويات الأمنية.
2 ـ إن الجهد المبذول طوال الفترة الماضية أدى الى اجتياز نصف الطريق نحو وضع أمني مستقر، في حدود الاستقرار النسبي الممكن لبلد مثل لبنان.
3 ـ إن اكتمال هذا الجهد تعوزه إمكانات كبيرة في العنصرين البشري والمادي، كما في البنى التنظيمية، والأهم أن ثمة عراقيل تواجهه، وتعود في معظمها الى خصوصيات الوضع اللبناني وتعقيداته.
لكن المسؤول نفسه يتحدث بثقة كبيرة عن تفاصيل النقاط السابقة. فيشرح على سبل المثال أن التسيّب الأمني الحدودي السابق، يجد براهينه في الأوضاع التنظيمية الراهنة للمعابر الرسمية البرية والبحرية. فباستثناء مطار بيروت، حيث ثمة جهاز أمني واحد مسؤول، تجد المعابر الأخرى نفسها في حالة دون الحد المقبول، لجهة ثغرها التنظيمية والأمنية والوظيفية. والمقصود هنا المعابر الرسمية، بمعزل عن حال الحدود الكاملة، علماً بأن النتيجة الأولى والأبرز لهذا الخلل تتمثل في وقوع التهريب للأشخاص والبضائع والممنوعات.
والتسيب السابق نفسه يعزوه المسؤول الكبير إلى خلل ماضٍ في الأولويات الأمنية، التي ظلت في حقبة كاملة ماضية، متركّزة على الكسارات والمرامل والسير وحتى “البارات” وسواها من المصالح الخاصة. وهو ما عولج جذرياً اليوم بإعادة سلّم الأولويات المتفاعل والمتوازن، بين الأمن الجنائي والأمن الإرهابي، والوظائف الأمنية الضرورية لتسيير شؤون المواطنين اليومية.
ويشرح المسؤول نفسه لجهة الجهد المبذول، أن النواقص كانت في كل مجال وعلى أي مستوى، وبالتالي فإن الحاجات كانت ملحّة بقدر ما كانت شاملة متعددة. وهذا ما جعل من باب المستحيل تحديد أولويات الحاجات، وفرض بالتالي العمل على تلبيتها في شكل فوري ومتزامن.
ويفصل المسؤول الكبير على سبيل المثال، أن ثمة معدلاً وسطياً عالمياً لحفظ الأمن، يقول بضرورة وجود 7 عناصر أمنية لكل ألف مواطن. وبالتالي فإن لبنان الذي يضم فوق أراضيه نحو 4 ملايين نسمة، يحتاج الى 28 ألف عنصر أمني. لكن الواقع الذي كان قائماً قبل قيام السلطة الحالية، كان مقتصراً على وجود 13 ألف عنصر أمني يشكلون كامل العديد التابع لقطعات الأمن الداخلي. وهو رغم نقصه الفاضح، كان فعلياً 12 ألف عنصر فقط، نظراً إلى وجود 500 عنصر مفصولين إلى جهاز أمن الدولة، و500 آخرين مشكّلين ضمن القوة الأمنية المشتركة المنتشرة في الجنوب، التي انتهت بعد حادثة ثكنة مرجعيون الشهيرة في آب الماضي إبان العدوان الإسرائيلي.
كان العديد الأمني إذاً دون النصف الضروري، وهو ما لامس الشلل في قطاعات المعلومات، والتحقيق، والعمل الأمني اليومي على الأرض. وهذا ما ظهر ضمن القطعات الثلاث المسؤولة عن هذه المهمات، في «فرع المعلومات» السابق، في «مكتب مكافحة الجريمة»، كما في حوادث 5 شباط الماضي في الأشرفية، يوم فشلنا، فكان أول التحول نحو العمل المنهجي لسد جميع الثغر.
أين أصبح الوضع اليوم؟ التقدم كبير، وكبير جداً، وأبرز الأدلة عليه، محاولة اغتيال المقدّم سمير شحادة، المرتبطة بخيوط جريمة كبرى، فماذا عن تفاصيلها والنقاط الأخرى؟
(يتبع السبت المقبل) ـ