خصّ الأسير سمير القنطار، الموجود حالياً في قسم العزل الجماعي في معتقل هداريم قرب نتانيا في فلسطين المحتلة «الأخبار»، عبر محاميه، بأول مقابلة صحافية منذ انتهاء عدوان تموزرأى عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية أن الأوضاع السياسية التي سادت البلاد قبل عدوان تموز الماضي «كانت مؤشراً على أن البنية السياسية القائمة في لبنان لا تستجيب للتحديات التي تواجه اللبنانيين على المستويات الداخلية والخارجية»، لافتاً الى «ما تعرض له البلد من ضغوط لإلحاقه بالمشروع الأميركي تحت شعار الحرية والسيادة والاستقلال، بأبعاد بعيدة كل البعد عن الحرية والسيادة والاستقلال. فأيّ حرية هذه في وقت تحرم غالبية الشعب اللبناني وتياراته السياسية من التمثيل المناسب في مؤسسات الدولة بسبب قانون انتخابي ظالم، وأيّ حرية هذه تمنع المواطن من أن تكون علاقته مباشرة بالدولة، وتجعله مرتبطاً بزعامات تصرّ على قيادته نحو الهاوية من خلال سياستها المراهنة على استعداء المحيط العربي القريب وتمرير مشاريع معادية لمستقبل أبنائنا وحرية أوطاننا». وتساءل: «عن أيّ سيادة يتحدثون في وقت نرى ونسمع السفير الأميركي (جيفري) فيلتمان ومن يحيط به من سفراء أجانب يتحكمون بالبلد، وعن أيّ استقلال يتحدثون عنه في وقت يشنون الحملات المكثفة لنزع سلاح المقاومة في ظل بقاء أراض لبنانية تحت الاحتلال؟».
ورأى القنطار «أن الأجواء التي سادت البلاد قبل العدوان الأخير جعلتنا نستشعر أن القادم من أحداث سيكون أكبر مما شاهدناه في محاولة مستميتة من أطراف 14 شباط لتطبيق القرار 1559، وتبين لنا أن العدوان كان محاولة لتطبيق ما عجزت عنه قوى 14 شباط، وبالتناغم التام معها. وباختصار ،فإن نتائج العدوان المخيبة للآمال بالنسبة للمشروع الأميركي وأطرافه، وما شهدته مرحلة العدوان من ترك المقاومة مكشوفة في الداخل على المستوى الرسمي لتسهيل ضربها والقضاء عليها أو بالحد الأدنى تحجيمها، أفرز هذه الأزمة. إذ إن قيادة المقاومة وحلفاءها المخلصين وجدوا أن من المستحيل عدم الإفادة من تجربة العدوان القاسية. لذا كان مطلب الثلث الضامن مطلباً محقاً، بل من الواجب التمسك به، وإلا فإننا نبقي رقابنا داخل المقصلة».
ورأى عميد الأسرى «أن الوضع الراهن وما وصلت إليه الأوضاع يتطلب الإصرار على التغيير الشامل، وليس فقط الحلول التوفيقية. وبشكل أدق فإنه في حال نزول المعارضة إلى الشارع، ينبغي عدم العودة تحت أي ظرف إلى شعار الثلث الضامن، بل يجب الإصرار على تأليف حكومة مؤقتة للإشراف على تجهيز قانون انتخابي جديد وعادل، والتحضير لانتخابات مبكرة وفقاً لهذا القانون، تنتج مجلساً نيابياً جديداً يعكس التمثيل الحقيقي لكل الأطراف اللبنانية، وعندها يستطيع هذا المجلس أن يقود البلاد، وأن تقوم أكثرية داخله لتأليف الحكومة التي تراها مناسبة وتضع السياسة التي تتناسب مع قناعاتها، وعلى الأقلية إما أن تنخرط، وإما أن تعارض وتحترم قرارات الغالبية، لأن الغالبية ستكون حينها حقيقية تعكس وزنها الشعبي، وغير قائمة على قانون ظالم وعلى تحالفات ثبت أنها خادعة وكاذبة». وشدد على «ضرورة أن يعمل المجلس النيابي القادم على تطبيق الطائف، لا من جانب المحاصصة، بل في جوهره القاضي ببناء مؤسسات الدولة على قاعدة المواطنة وإلغاء الطائفية السياسية».
وعن اغتيال الوزير بيار الجميّل، أكد القنطار «أن نهج الاغتيالات مدان ومرفوض، ويدخل في سياق العمل الجبان. وهنا أستغلّ هذه الفرصة لأقدّم أحرّ التعازي إلى عائلة الفقيد، ولا بد من الإشارة إلى أن الأيدي التي ترتكب هذه الأعمال تحركها مصلحة واحدة وهي تأجيج العداء للمعارضة في البلاد ولسوريا لاستكمال محاولات الدفع بلبنان للانزلاق نحو المشروع الأميركي المتعثر في العراق، الذي يحاول أن يجد بصيص أمل ينقذه من هذا التعثر». ورأى القنطار «أن الذين انخرطوا في هذه اللعبة في لبنان لا يعلمون أنهم باتوا أسرى لعبة تشرف عليها أجهزة مخابرات دول مثل الولايات المتحدة التي لا تملك من الرادع الأخلاقي ما يجعلها وفيّة لأصدقائها. وهذه الدول ومخابراتها همّها الوحيد تحقيق مصالحها وتمرير مشروعها بصرف النظر عن الأساليب ونوعية الضحايا الذين يجب أن يسقطوا في سبيل تلك المصالح. والذين انخرطوا في المشروع الأميركي لا يعلمون أنهم دخلوا في نفق، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، وللأسف هم يصدقون كذبة أصدقاء الولايات المتحدة ولا يعلمون أنهم في ميدان المصالح عندما يحتاج الأمر إلى التضحية بهم فسيكون ذلك، وهذا ما حصل في موضوع اغتيال الوزير الجميل، بعدما لاحظنا التخوف الأميركي من تحرك المعارضة في لبنان، والحرص على إبقاء حكومة فؤاد السنيورة حية من دون التعرض لأية اهتزازات، بعدما شكّل المد الشعبي الذي يحيط بالمعارضة وإصرارها على ترجمة قوتها شعبياً من أجل التغيير الحكومي نقطة قلق في الدوائر الأميركية وحلفائها، فكان لا بد من خلق اهتزاز كبير يربك المعارضة، ويعطل خططها ويفتح المجال أمام قوى 14 شباط لاستعادة زمام المبادرة في الشارع، ومنع التغيير وفرض منطقها وبرنامجها، ولذلك اختير الوزير الجميل ليكون ضحية هذا الموقف».
ورأى «أن الحياة السياسية اللبنانية ستبقى تدور في حلقة الأزمات المتتالية إذا لم نتمكن من تغيير البنية السياسية القائمة على الطائفية السياسية والمحاصصة والمحسوبيات. فالبنية الحالية للنظام اللبناني وصفة للفساد والضياع والدوران في حلقة مفرغة، ولذا لن يكون هناك مستقبل للبنان وأبنائه، إذا لم يتحول هذا الوطن وبنيته الرسمية إلى وطن عصري حضاري قادر على السير دائماً إلى الأمام، وعلى التصدي لتحديات العصر المختلفة. فلبنان المقاومة والتضحية والانتصار جدير بأن يكون وطناً لكل أبنائه على قاعدة التمسّك بالثوابت الوطنية الأساسية، وهي العروبة والوحدة والديموقراطية والممانعة».
وحضّ قوى المعارضة على «أن تعمل الآن على تحقيق تغيير حقيقي يحصّن البلد ويجعله قادراً على المضي، من دون الوقوع في أزمات جديدة هي وليدة البنية الطائفية السياسية للدولة التي من خلالها تخترق الحصون وتجهض الانتصارات».
وتطرق القنطار الى الممارسات التي شهدتها شوارع بيروت أخيراً، معرباً عن «غضبي من الشراذم التي برزت في الآونة الأخيرة، والتي حاولت الإساءة إلى أعز الناس على قلوبنا سماحة السيد القائد حسن نصر الله، وأؤكد للسيد حسن أن محبته في قلوبنا جميعاً أكبر بكثير من أن ينال منها الذين لو وضعناهم بجانبك لما وصلوا إلى كاحل قدميك. كما أستنكر ما تعرّض له ضمير لبنان، المناضل الوطني الكبير دولة الرئيس سليم الحص، وأقول له: ستبقى دائماً كبيراً وأنظف رجالات الدولة في لبنان. كما أتوجه بأحر التحيات إلى إخواني المجاهدين في المقاومة وعائلات الشهداء والجرحى، وأعانق كل جمهور الوعد الصادق، وأهنّئ إذاعة النور أميرة الإذاعات العربية وتلفزيون المنار على الإنجازات العظيمة التي تحققت في مهرجان القاهرة. ومن حق كل إنسان أن ينتقد سياسة أو موقف أي بلد أو فئة، لكني أنصح الذين يطالبون بطرد سوريا من الأمم المتحدة بأن يفكروا ملياً بنتائج مواقفهم».
وعن تصوره للأزمة الحكومية الفلسطينية، رأى القنطار «أن الواقع الفلسطيني أحوج ما يكون اليوم إلى توحيد الأداة السياسية والنضالية ليتمكن هذا الشعب من تحقيق أهدافه الوطنية كي لا يتحول نضاله اليومي وتضحيات أبنائه إلى استنزاف لطاقاته في ظل الاختلاف السياسي والنضالي». ورأى «أن المقوّمات الضرورية لتحقيق الأهداف الوطنية لأي شعب هي اتفاق قواه السياسية على برنامج سياسي موحد وأساليب النضال وأدواته في كل مرحلة. والشعب الفلسطيني، صاحب التاريخ الطويل من العطاء والنضال والتضحيات، يستحق قيادة جماعية تضم كل قواه الحية لجعله قريباً أكثر فأكثر من تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة. لذا، فإن حكومة الوحدة الوطنية ضرورة ملحّة، لكن الأكثر أهمية هو الاتفاق الشامل على برنامج سياسي موحد لكل القوى وعلى أساليب النضال وأدوات النضال الفلسطيني».
(الأخبار)