بسام القنطار
لم يعد المثل اللبناني الشائع « ما بين تشرين وتشرين صيف ثاني» يصلح للاستعمال هذا العام. فما بين تشرين وكانون جوّ ربيعي حار ينبئ بكارثة على المستويين المحلي والعالمي، لجهة اختلال النظم الايكولوجية الناتجة بالدرجة الأولى من الاحتباس الحراري

«ربيعي دافئ غير اعتيادي مستقر قد يستمر حتى منتصف الأسبوع المقبل». توصيف نشرته مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة ـــ رياق لحالة الجوّ في لبنان رغم مرور ثمانية أيام على بدء فصل الشتاء. لكن لبنان لا يتفرد بهذا الطقس الربيعي غير الاعتيادي، فعلماء المناخ يحذرون منذ فترة من أن الكرة الأرضية قد تكون وصلت إلى أعلى درجات حرارتها خلال المليون عام الأخيرة، الأمر الذي يسبب تحولات بيولوجية وإيكولوجية تطال الكائنات النباتية والحيوانية في مختلف أنحاء العالم.
روايات تفاعلات الجوّ وانعكاساتها تتنوع في لبنان والعالم. ففي جبل لبنان يقدم كمال الذيب عرضاً مغرياً في فرنه القديم الذي ما زال يعمل على الحطب، عبارة عن منقوشة بيض «بالقاورما» يضاف إليها هليون طازج جمعه خلال رحلته اليومية إلى الأحراج لجمع الحطب والأعشاب البرية. فخلافاً للعادة، وبعد أن تعرضت مناطق واسعة في لبنان لحرائق هائلة قضت على مئات الهكتارات من الرقعة الخضراء، نبت الهليون في جبل لبنان بسبب حرارة الجوّ المعتدلة.
إضافة إلى نبتة الهليون، بدأت أزهار أشجار الإجاص بالظهور رغم أن موعدها الطبيعي هو بداية شهر شباط.
الدكتورة ديانا أبو سعيد من مركز التعرف على الحياة البرية في عاليه أكدت لـ«الأخبار» أن حالة الجوّ المشمس منذ أسبوعين من شأنها أن تؤثر سلباً على الحياة البرية في لبنان. ويسبب الجوّ الخريفي الذي يشبه الجوّ الربيعي إلى حد بعيد مشاكل مضاعفة للحياة البرية. ففي حال هبوب عاصفة صقيع مفاجئ، ستزداد صدمة وحيرة العديد من الكائنات التي غالباً ما تستغل الهبوط التدريجي للحرارة خلال فصل الخريف لنمو طبقة دهون داخلية أو فرو خارجي تحميها من برد الشتاء.
كما أن الحيوانات التي تعيش في جحور داخل الأرض ما زالت تلهو، وهي لم تهيئ أماكن اختبائها. وأضافت أبو سعيد «قد يؤدّي استمرار الجوّ الدافئ إلى تزاوج الطيور وبعض الحيوانات اللبونة في غير موعدها، فهي عادة تنتظر فصل الربيع لتبدأ بالتزاوج، وسينعكس هذا الأمر سلباً على نظامها وسيؤثر على طرائق عيشها».
يتّخذ هذا الواقع المناخي بعداً أكثر دراماتيكيّة في مناطق أخرى من الكوكب. ففي جنوبي غربي سيبيريا، يعيش السكان المحليون حالة قلق ورعب خوفاً من الدببة التي لا تزال مستيقظة رغم بدء فصل الشتاء. فعلى غير عادته، لم يختبئ الدب في الكهوف تمهيداً لاستغراقه في النوم. ومرد ذلك استمرار ارتفاع درجة الحرارة. وعادة تستغرق الدببة في النوم منذ شهر تشرين الثاني حتى نهاية فصل الشتاء، لكن الجوّ لا يزال حاراً نسبياً في منطقة «كيميروفو» التي تبعد حوالى 3500 كلم عن موسكو، ما انعكس على طباع الدببة التي باتت ترفض النوم. وبسبب بدء موسم صيد الطيور، تخاف السلطات المحلية من هجمات غير متوقعة من دببة بدأ يدب فيها النعاس لكنها لا تقوى على النوم مما أصابها بأرق ينبئ بالكثير من المشاكل والحوادث، الأمر الذي استدعى توظيف مراقبين محليين لرصد ومراقبة حركة الدببة وتعقّبها.
وفي ألمانيا، يُحدث الخريف الدافئ فوضى شديدة في تصرفات العديد من الحيوانات البرية، فالطيور التي من المفترض أن تبدأ هجرتها إلى الجنوب، لا تزال في أماكنها. ويرى العلماء أن تراوح درجة الحرارة خلال هذا الشهر بين 18 ـــ 20 درجة مئوية في مختلف الأقاليم الألمانية سبب فوضى عارمة في النظم البيولوجية للحياة البرية. ويؤكد عدد من الخبراء أن غالبية الطيور بدت غير راغبة في الاتجاه إلى الجنوب بسبب دفء الجوّ. ويؤكد هؤلاء أن الطيور لا تزال تجد الطعام في المناطق التي تقطن فيها وهي على الأرجح لن تغادر قبل كانون الثاني المقبل، لكن هناك أيضاً احتمال قوي أن لا تهاجر.
وبسبب دفء الجوّ لا تزال هذه الطيور تصدر أصواتاً مزعجة ما سبب قلقاً كبيراً للضفادع وسمندل الماء والوطاويط، التي تبدو مرتبكة وغير معتادة هذه الأصوات في هذا الشهر.