ابراهيم عوض
مرة جديدة يخوض الجيش الامتحان الصعب. فبعد نجاحه في «دورة» 24 آذار عام 2005 وما سبقها وأعقبها من أحداث وتظاهرات واعتصامات ها هو اليوم يواجه «دورة تجارب» أخرى يُستعاد فيها المشهد السابق بتوجّهاته وأهدافه وإن اختلف صانعوه.
أمس كانت «ثورة الأرز» التي تحولت لاحقاً الى «أكثرية» والتي راحت تصوّب سهامها الى حكومة الرئيس كرامي حتى أسقطتها. أما اليوم فها هي المعارضة جاءت تفترش الساحة نفسها في وسط بيروت وعينها على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد أن أقسمت بألّا يغمض لها جفن قبل رحليها.
التاريخ يعيد نفسه دائماً.. وكذلك توجيهات قائد الجيش العماد ميشال سليمان لضباطه وجنوده. فمع انطلاق التظاهرات الغاضبة وتوافد الحشود الى «ساحة الحرية» إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قال سليمان للعسكريين إن عليهم واجب الحفاظ على الأمن أولاً بشقيه أمن الناس وأمن المؤسسات والممتلكات، ونبّه يومذاك الى ضرورة حماية مبنى البرلمان والحؤول دون اقتراب المتظاهرين منه، وكذلك «بيت الكتائب» المركزي في الصيفي الذي كان في عهدة كريم بقرادوني الداعم للرئيس إميل لحود.
ولا غرابة في أن يكرر قائد الجيش التنبيه نفسه والقاضي بحماية البرلمان مع إيلاء اهتمام خاص بالسرايا الحكومية، وكذلك بـ«بيت الكتائب» بعد عودة الرئيس أمين الجميل اليه وفتح أبوابه أمام قوى 14 آذار التي عقدت اجتماعها الطارئ في قاعاته إثر اغتيال الوزير بيار الجميل الذي انضم اليه للمرة الأولى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
هذا وقد رسم العماد سليمان لعسكرييه الخطة التي عليهم اعتمادها للتعامل مع «ثورة التغيير» الجديدة وقوامها «الحفاظ على حرية التعبير ومنع الشغب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة» و«البقاء على مسافة واحدة من الجميع والحفاظ على أمن المواطنين كافة، بمن فيهم المعارضة والموالاة وعدم التردد في التدخل لمنع الصدام بين الفرقاء والتصدي بحزم لأي محاولة إخلال بالأمن». وأكد قائد الجيش أمام عدد من زواره أمس وبينهم رئيس حزب الحوار الوطني المهندس فؤاد مخزومي أن الجيش سيقوم بما عليه للحفاظ على الأمن واعتباره خطاً أحمر يحرم المس به، كما سيتولى حماية المواطنين ومنع أي اعتداء عليهم. وبما أنه لا قرار سياسياً بمنع التظاهر فإن حرية التعبير مشروعة ومصونة اذا ما التزمت الأصول والقوانين.
وفيما نقل عن العماد سليمان قوله إن اعتماد الانضباط من جانب المتظاهرين كفيل بتعطيل أي محاولة لتعكير الأجواء، الا أنه أبدى تخوفه من دخول مندسين على الخط، الأمر الذي قد يؤدي الى فلتان الأمور بحيث يصعب معه ضبط الأوضاع بالسرعة المطلوبة. وهذا ما أشار اليه صراحة لدى مخاطبته العسكريين أول من أمس بقوله إنه «لن يسمح لأي طرف او للطابور الخامس بأن يعطل السلم الأهلي او يزعزع الثقة به».
كما أوضح أمام زواره أن مثل هؤلاء المندسين لن يكترثوا للتظاهرة او لأهدافها إذ إنّ جُلّ غايتهم التخريب وافتعال الحوادث لكننا لن ندعهم يحققون ذلك.
ولم يفت العماد سليمان القول إن المهمة التي يقوم بها الجيش مهمة وطنية بالدرجة الأولى دون أن يغيب عن بال أفراده لحظة واحدة أن المتظاهرين الذين عليهم الحفاظ على سلامتهم هم أبناؤهم وأشقاؤهم.