البقاع الغربي ــ أسامة القادريراشيا الوادي ــ شريف سريوي

يتطلّب نظام العدالة محاكم وقصور عدل ملائمة لمتابعة قضايا المواطنين. وبعد نشر تحقيقات عن قصور عدل في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت، نستعرض وضع المحاكم في مختلف المناطق، ونبدأ بمحاكم جب جنين وصغبين وراشيا الوادي

كأن الدولة تقاضي “القاضي”، هذا ما قاله أحد المحامين في معرض إجابته عن سؤال عن واقع محاكم جب جنين وصغبين وراشيا الوادي. ثلاث محاكم في جنوب سهل البقاع، وقاض واحد فقط لآلاف الدعاوى.
أكثر من مئة ألف مواطن في قضاءي البقاع الغربي وراشياينتظرون منذ زمن طويل أن تبادر السلطات المتعاقبة ببناء قصر للعدل أصبح حلماً يراود أهالي المنطقة. فوزارة العدل انتدبت قاضياً واحداً للنظر في الدعاوى الجزائية، والمدنية، العقارية، والمالية، والتجارية، والأحوال الشخصية في محاكم جب جنين وصغبين وراشيا. لم تحاول وزارة العدل منذ توقف الحرب الأهلية تطوير العمل القضائي في البقاع الغربي وراشيا. فالوضع الذي كان قائماً قبل الحرب تغير كثيراً، والمحاكم لم تتغير. ففي سرايا جب جنين تتموضع غرفة المحكمة التي تشهد “عجقة” يوم الثلاثاء من كل أسبوع. اصبح المحامون يعلمون سلفاً أن قضاياهم في محكمة جب جنين ستأخذ وقتاً لا يقل عن سنة حتى يصدر الحكم. وهم يعلمون ذلك ووزارة العدل أيضاً. فالقاضي المنتدب لا يقوى على فعل ما لا يستطيع فعله في ظل غياب كل مقومات “العدلية” في البقاع الغربي.
تتألف محكمة جب جنين من 4 غرف: واحدة للقاضي، و3 للموظفين والقلم، ورابعة قاعة “محاكمة” و... النطق بالأحكام. ولا مكان للمحامين أو غرفة معدة لهم. كل ما عليهم فعله خلال “دوام” المحكمة أن “الكزدرة” في ممرات غرف السرايا حتى يحين موعد جلساتهم. ويقول محام بقاعي إن الدولة اللبنانية لا تهتم بشؤون مواطنيها القضائية والقانونية. وتقول زميلة له إنها لا تفضل متابعة أي دعوى في راشيا أو البقاع الغربي. ولا يختلف حال محكمة صغبين عن حال جب جنين. فالقاضي هو الوحيد الذي يعاني يوماً بعد يوم. فالمحكمة كانت قبل العام 2004 تعمل صيفاً فقط.. نصف الصيف عطلة قضائية فكان لا بد من اعتمادها محكمة دائمة طوال السنة ويوم واحد في الأسبوع.
عندما تدخل إلى سرايا صغبين، أو ما يسمى سرايا، يقع نظرك فوراً على ورقة معلقة على الزجاج “محكمة صغبين” التي تتألف من 5 غرف وقاعة محاكمة. الفرش المكتبي لا يختلف عن الفرش الموجود في جب جنين، والبناء لا يمكن إلا أن تتسرب إليه أمطار الشتاء والبرد القارس كحال رفيقه في جب جنين.
أما سرايا راشيا الوادي ففيها محكمة القضاء والسرايا تضم، كما جب جنين، كل الإدارات الرسمية. وتقع المحكمة في الطبقة الثانية ولها ميزة واحدة، إذ هناك غرفة من غرفها مخصصة للمحامين.
ويقول محامون إن جلسات المحاكمة تعقد مرة واحدة 3 أسابيع كمعدل وسطي، وأحياناً كل شهر حيث يحكم القاضي المنتدب وحيداً في أكثر من 70 ملفاً.
في محكمة راشيا يجد الزائر كل الدعاوى ويسمع الشكاوى من عمليات التأخر في إصدار الأحكام همساً. ويقول أحد المحامين في راشيا: “إذا كانت الدولة مهتمة بقضايا مواطنيها وجب عليها أن تعين قاضياً ثانياً لتسهيل الأمور القضائية والبت بالدعاوى والخلافات حتى لا تتراكم من سنة إلى سنة.. ومن دهر إلى دهر”.
غرفة قلم محكمة راشيا تكاد تختنق بالملفات. فهي لا تتسع أصلاً للموظفين الذين حاصرتهم الخزائن الصدئة والمهترئة. بينما غرفة المحامين الصغيرة لا يفتح بابها إلا عند موعد عقد جلسات المحاكمة. وهي لا تختلف عن “قاعة” المحاكمة، أو ما يسمى قاعة، فهي مجرد غرفة صغيرة لا يمكن أن تستوعب أكثر من 5 أشخاص.
في محكمة راشيا غرفة واحدة للمراجعة، وموظفان اثنان فقط و.. مئات الدعاوى والملفات مكدسة تتعرض شتاء لزخات من المطر.