ابراهيم الأمين
أنهى الاسرائيليون انسحاباً غير مكتمل من لبنان. ظلت هناك خروق برية مع احتلال عدد غير قليل من المناطق. ليست قرية الغجر وحدها هي المشكلة، ولا ألوف الدونمات التي سلخت من هذا القطاع او ذاك، ولا الخروق الجوية التي ابلغ الاسرائيليون قوات الأمم المتحدة استمرارها كما الخروق البحرية “حيث دعت الحاجة”. لكن المشكلة تتلخص في قرار إسرائيلي بمحاولة فرض قواعد جديدة على طول الحدود مع لبنان وبغطاء من القوات الدولية التي تواصل انتشارها هناك، وبمحاولة الحصول على غطاء سياسي لبناني داخلي، ويستند جميع هؤلاء الى نظرية مفادها ان ابناء الجنوب “تعبوا وسئموا” القتال، وأن الانقسام الداخلي اللبناني لا يدعم القيام بأي نوع من اعمال المقاومة، وأن فرص الإعمار قد تتأخر وتتعطل إذا لجأت المقاومة مجدداً الى اي اعمال عسكرية. ومع ذلك فإن اسرائيل معنية بمزيد من الضمانات وهي تبحث في سبل الحصول عليها.
قبل نحو عشرة ايام، استضاف القائد الفعلي لقوى الأكثرية الحاكمة في لبنان السفير الأميركي جيفري فيلتمان مجموعة من رجال الاعمال الاميركيين الذين ارسلوا على عجل بطلب من الرئيس الاميركي جورج بوش. وكان بين هؤلاء مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون التدريب والتطوير دينا حبيب باول (اميركية من اصل مصري)، جون شنبرز رئيس مجلس ادارة “سيبسكو” صاحبة حجم الأعمال الكبير جداً، وصديق شخصي للرئيس بوش، كما تربط زوجته علاقة شخصية وقوية بزوجة الرئيس الاميركي، يوسف غفري مدير شركة هندسية للطاقة (من اصل لبناني) وراي إيراني العامل في حقل الطاقة، وتخلف يومها رئيس مجلس ادارة شركة انتيل. وقد وصل الوفد بطائرة خاصة من قبرص الى بيروت، اضافة الى عدد آخر من الاميركيين الضيوف ومن موظفي السفارة. وحضر قسم كبير من أقطاب 14 آذار ابرزهم مروان حمادة ونايلة معوض ونسيب لحود (اعتذر بعد وقت قصير لارتباطه بمواعيد اخرى) كما حضر وزير المال جهاز ازعور وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في بيروت غير بيدرسون اضافة الى ياسين جابر وبيار الضاهر والسفير بطرس عساكر، ورجال اعمال من جمعية الصناعيين وغرفة التجارة والصناعة.
كان لافتاً أن فيلتمان أجاب عن سؤال أحد اللبنانيين عن رأيه في خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فرد باستخفاف قائلاً: هو يريد كل الدولة وبعدها يقول تعالوا خذوا السلاح، يعني انه يريد الدولة التي لا تطلب منه هذا السلاح (هو نفسه الكلام الذي ردده اقطاب الاكثرية لاحقاً ولا سيما وليد جنبلاط ومروان حمادة).
في الاجتماع حرص الموفدون الاميركيون على القول إن بوش مهتم شخصياً بمساعدة لبنان وهو طلب من الفريق نفسه إنشاء صندوق خاص لجميع الاميركيين الذين يستثمرون في لبنان من أجل تطوير عملهم وبالتالي تولي مسؤولية إنفاق مساعدات اميركية مخصصة لإعادة الاعمار. وقالوا ان “بوش يحب لبنان وهو افضل رئيس اميركي يهتم بلبنان وهو يحث القطاع الخاص على هذه الخطوة، وان المهم ان يخرج من لبنان من يساعد هذه الوجهة. وعليكم ان تعرفوا ان إيهود أولمرت في حال كارثية وأنه لا يمكن الطلب إليه تحقيق بعض المطالب ومنها موضوع الانسحاب من مزارع شبعا، وهو لا يمكن ان يقدم أي جوائز لنصر الله أو لسوريا وإيران”.
وسمع الوفد كلاماً مباشراً من ضيوف لبنانيين من خارج النادي السياسي فيه أن الولايات المتحدة لا تعرف مقاربة الملف اللبناني وهي لا تعرف ماذا تفعل. وها انتم تخسرون لبنان وفلسطين والمنطقة بشعوبها وقياداتها. ولا يمكنكم الاستمرار في الكلام على جبهات سنية وشيعية وخلاف ذلك. فمن يقتل في لبنان هم الشيعة ومن يقتل في فلسطين هم السنة والقاتل واحد وهو إسرائيل وبغطاء من اميركا نفسها.
وطلب الى بيدرسون التعليق على هذا الكلام وعلى قول احد اعضاء الوفد الاميركي إن بوش رجل مخلص، فقال: “اعذروني فأنا ارى العكس. وهو اقرب الى الغباء منه الى الذكاء، وهو رجل غير عادل وإدارته قاسية وهي تورط العالم كله في مشكلات متعددة ونحن لا نعرف لماذا تصر اسرائيل على القيام بأعمال عسكرية وأمنية في الجنوب بطريقة تعرض قوات الأمم المتحدة للخطر. وحتى الآن لا يحصل أي خرق من جانب حزب الله او من جانب لبنان، بينما الخروق كلها من الجانب الاسرائيلي”.
وتدخلت الوزيرة معوض لتقول “أنتم الاميركيين لا تساعدوننا كفاية. لماذا لا تفرضون على اسرائيل تحقيق الانسحاب حتى نستطيع أن نجبر حزب الله على رمي السلاح. وغداً إذا واصلت اسرائيل الخروق ولم تقم دولتنا بشيء فسوف يستفيد حزب الله من الأمر. وأنا أرى، وإن كنت لا ارغب في قول ذلك، أن نصر الله محق في قوله ان الدولة غير قادرة على وقف التهديدات الاسرائيلية”.
طبعاً الكلام لا يتوقف عند هذا الحد، لأن ما يقوله السفير الاميركي في الاجتماعات العامة غير ما يقوله في الاجتماعات المغلقة مع أقطاب الاكثرية، وهو الذي يقود الآن حرباً جديدة على حزب الله تحت عنوان “منعه من إعادة الاجواء الى مناخات الحرب”. وهو هنا بات يكثر من الكلام الخطير مثل ان لبنان ليس مضطراً لأن يظل تحت رحمة طرف واحد وان التأخر في إزالة هذا الخطر سوف يطيح لبنان وان اي عملية جراحية لها أضرارها وان واشنطن لن تكون قادرة على منع المطالبة بالتقسيم والفدرالية اذا لم لم يتم نزع سلاح حزب الله، اضافة الى امور كثيرة تخص الآن محاصرة الحزب مالياً تماماً كما يحصل مع حماس وقوى الارهاب الاخرى، وتشديد على توفير كل اشكال الدعم المعنوي والمالي لشخصيات شيعية معارضة لأمل وحزب الله بما في ذلك مساعدتها على إنشاء مؤسسات تقوم بأعمال الرعاية الاجتماعية والتنمية على الديموقراطية ودعم اصدار منشورات لهؤلاء على شكل صحف ومجلات ونشرات وكل ما يلزم، وان ادارته مستعدة للعب دور في هذا المجال.
ويبدو ان فيلتمان يعرف تماماً ما أنجزه الاسرائيليون في الجنوب خلال هذه الحرب. وهو يعرف ان الانسحاب ليس تاماً وبالتالي فإن المقاومة ستظل هي الوسيلة الوحيدة لإنجاز كل تحرير ولو كره الكارهون!.