جورج شاهين
في حزب الكتائب اللبنانية، نقاش في نتائج الحرب الأخيرة، وكيفية الخروج من المآزق التي قادت اليها، في إطار البحث عن صيغة تجمع ولا تفرق، وتعيد “تلحيم” الفئات اللبنانية بما يضمن تقليص الفوارق في قراءة اسبابها ونتائجها والتطلعات الى المستقبل، اضافة الى التفتيش عن الصيغة الفضلى للمّ الشمل في قواعدها وإعادة تنظيمها وتفعيلها ووقف كل اشكال “القرصنة والمصادرة” لرموزها ومحاولات “استيلاد” بطولاتها وتبنّيها، والبناء عليها كأنها “ارض سليب او مال حرام وليس هناك من يحميها أو يدافع عنها”.
على هذه الخلفية يشهد الحزب منذ فترة وجيزة ورشة عمل هادرة على اكثر من مستوى سياسي وإداري وتعبوي لم يشهدها من قبل في مرحلة يحيي الحزب فيها هذا العام الذكرى السبعين لولادته، والعام الأول على اول مصالحة جدية وواسعة جرت بعدما مزقته الانتفاضات وتردداتها على اكثر من صعيد، استفاد البعض خلالها حتى تمكن من وضع اليد على قواعده ومؤسساته وبات يفاخر بها كأنها من صنائعه وإنجازاته.
وتقضي الورشة بالعمل على جبهتين اساسيتين واحدة سياسية وأخرى تنظيمية وحزبية.
على المستوى السياسي يناقش المكتب السياسي اليوم ورقة عمل اعدّها رئيس الحزب كريم بقرادوني على مرحلتين: الأولى خضعت لملاحظات وضعها الرئيس الأعلى للحزب الرئيس امين الجميل ونواب رئيس الحزب وأعضاء من المكتب السياسي، والثانية باتت جاهزة في صيغتها النهائية لتبنى عليها الدعوة الى خلوة يعقدها المكتب السياسي في وقت قريب لمناقشتها وإقرارها على انها “خريطة الطريق” الى موقف متميز يخرج البلاد من “حرب المنابر والساحات” ويعيد الى الحياة السياسية رونق “الجدل الراقي” الذي تحتاج إليه والابتعاد عن “اللغة الخشبية” التي تنبش في أوراق الماضي ولا تفعل غير زيادة الشق وتزكية الخلافات.
وعلى المستوى الحزبي والإداري، يناقش المكتب السياسي اليوم خطة ادارية وحزبية متكاملة تواكب الخطوة السياسية وتقضي بإحياء “مصلحة الأقاليم والمحافظات الكتائبية” لتكون “الناظم للحياة الحزبية والعين الساهرة على نشاطها ومهام المسؤولين فيها على كل المستويات”. ويتوقع أن يعيّن المكتب السياسي اليوم الوزير الشيخ بيار الجميل رئيساً لها وفق خطة وضعها فريق خاص من الأمانة العامة للحزب وهدفها استعادة الإمساك بالقواعد الحزبية وتنشيطها بدءاً بإعادة النظر في التعيينات على مستوى المصالح والأقاليم والأجهزة الحزبية المركزية والمناطقية، التقنية المتخصصة منها والجماهيرية، ولم الشمل تمهيداً لاستعادة الحقوق وتزخيم العمل الجماعي وإنهاء كل التداخلات الحزبية والسياسية بما لا يسمح بعد ذلك بالانتماء المزدوج للبعض او العمل خارج التوجهات الحزبية، وإنهاء رواسب الماضي وما تسببت به الانقسامات التي سمحت لفريق في وقت من الأوقات بوضع اليد على منجزات الحزب.
وعلى هذه الخلفية انطلق العمل منذ ايام بعدد من اللجان المتخصصة وتضم اعضاء من المكتب السياسي والمجلس المركزي ومن اصحاب الاختصاص، وهي تعنى بالحياة الحزبية والسياسية من مختلف النواحي ومنها الاتصالات والزيارات والمراجعات والحشد والمساعدات والتوظيف والشؤون اللوجستية والإعلامية.
وفي البرامج الموضوعة سلسلة من الزيارات بدأها الوزير الجميل في الأسبوع الماضي إلى الأقاليم والأقسام الكتائبية، والتي ستشمل 285 زيارة في مجمل الأراضي اللبنانية، بغية اعادة تنظيم الصفوف وتجميع القوى تمهيداً لإعادة نظر شاملة في رؤسائها على ضوء تجارب الماضي.
لماذا كل هذه الورشة الآن؟ ولماذا لم تبدأ من قبل؟
تقول القراءة التي ادت الى هذه الخطة إن القيادة الكتائبية تحملت ما فيه الكفاية من الأقربين والأبعدين، وإنها منذ توحدها نزولاً عند رغبات الكثيرين من المراجع الروحية والسياسية المسيحية، ما زالت تتعرض لكل اشكال “المصادرة والقرصنة”، وإذا هي التزمت بتحالفاتها لم تلق من الحلفاء الا محاولات التهميش والتهشيم، وإن التزمت ثقافة سياسية رفيعة بعيداً عن المهاترات لم تلق الا المزايدات التي“نهشت اجساد شهدائها” ولم تترك للحزب الا “شهادة” طوني بعقليني في بيت الكتائب المركزي قبل ثلاثة عشر عاماً، وقد يكون ذلك أيضاً مما سقط سهواً؟.