مهدي السيد
«انتهى الكابوس» الإسرائيلي. هذا ما يعتقد به جنود الاحتلال، الذين انسحب آخرهم أمس من الأراضي اللبنانية التي احتلت في العدوان الأخير، باستثناء الجزء اللبناني من قرية الغجر في وقت تسعى فيه السلطات الإسرائيلية إلى الحؤول دون العملية المقبلة لحزب الله على الحدود، مع استمرار طلعاتها الجوية

ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس أنه تم سحب عشرات الجنود بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان والجيش اللبناني وخرج آخر جندي في حوالى الساعة الثانية والنصف من فجر الأحد.
تجدر الإشارة إلى أن الجدول الزمني لاستكمال الانسحاب تأجل مرات عدة في الأسابيع الأخيرة؛ فقد توقع جيش الاحتلال، بداية، أن آخر جنوده سيغادر الأراضي اللبنانية بحلول 15 أيلول الماضي. بعد ذلك، قال رئيس الأركان، الجنرال دان حالوتس، إن الانسحاب سيستكمل بحلول رأس السنة العبرية، في 22 من الشهر نفسه. وفي النهاية، وعد وزير الدفاع عمير بيرتس بأن "الجندي الأخير سيغادر جنوب لبنان عشية يوم الغفران".
وكانت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قررت منتصف الأسبوع الماضي، بحسب «معاريف»، أن لا جدوى من تأخير الانسحاب إلى حين التوصل إلى اتفاقات مع قوات اليونيفيل ومع الجيش اللبناني بشأن إجراءات فتح النار ومعالجة القضايا المتصلة بتظاهرات حزب الله على السياج الحدودي، علماً أن تأخير الانسحاب الإسرائيلي، بحسب المصادر الإسرائيلية، جاء بسبب خلاف في وجهات النظر بين إسرائيل وقوات الطوارئ بشأن تعليمات إطلاق النار.
وجرى تنفيذ الانسحاب بعد مصادقة رئيس الحكومة إيهود أولمرت، وبيرتس، على خطط الانسحاب التي تقدم بها الجيش الإسرائيلي. وتوقف عدد من التقارير الإعلامية الإسرائيلية عند مسألة الانسحاب، واسثناء قرية الغجر المقسومة إلى قسمين، حيث تقول المصادر الإسرائيلية إنه لم يتم بعد الاتفاق بشأن الترتيبات الأمنية فيهاونقلت «معاريف» عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن إسرائيل تريد التوصل إلى ترتيبات أمنية مع قوات الطوارئ والجيش اللبناني خلال الأيام القريبة وإخلاء القرية، وهي تسعى إلى أن تتولى اليونيفيل والجيش اللبناني المسؤولية الأمنية في الجزء اللبناني من القرية وإبقاء الإدارة المدنية إسرائيلية في الشقين السوري واللبناني.
وأفادت التقارير الإعلامية أن الأجهزة الأمنية تعمل على الانتهاء من تعريف إجراءات فتح النار وتحديد أسس تصرف الجنود الذين يقومون بدوريات على طول الحدود. ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مصادر مقربة من بيرتس إنه أوصى بتشديد تعليمات البدء بإطلاق النار. ونقلت التقارير عن مصادر أمنية ان الجيش لم يتوصل بعد إلى اتفاق حول تعريف تلك الإجراءت والأسس، لكنها أوضحت أنه «لن يكون هناك تسامح إزاء الاستفزازات والتجمعات وتجوال المسلحين".
وحول طريقة تعامل الجيش الإسرائيلي مع ما يحصل على الجانب اللبناني من الحدود، قال ضابط رفيع المستوى في المنطقة الشمالية، لـ«معاريف»، إن "الجيش لا ينوي التعامل مع حوادث إخلال بالنظام في دولة جارة، فنحن لن نقوم بتفريق التظاهرات، وإذا أُطلقت النار علينا، أو إذا قام أحد ما بتعريض قواتنا للخطر، فستتم دراسة إطلاق النار، وحتى الدخول إلى داخل الأراضي اللبنانية".
وقال ضابط آخر، للصحيفة نفسها، "حاول المستوى السياسي أن يقنع قوات الطوارئ والجيش اللبناني باستخدام السلاح ضد حزب الله وتفريق التظاهرات التي تنظّم بمحاذاة الجدار". أضاف "ولكن في اللحظة التي لم نتوصل فيها إلى أي تقدم معهم، توصلنا إلى استنتاج أن كل محادثة أخرى في الموضوع لا مكان لها، ويجب أن نخرج. لقد حققنا أهدافنا".
وأوضح الضابط نفسه أن "تولي الجيش اللبناني المسؤولية عن الجنوب، والذي لم يتم بحسب رغبة ضباط القيادة الشمالية، لن يؤثر في المستوى الأمني في الجانب الإسرائيلي". أضاف "لا يريدون الإعلان عما سيقومون به بشكل دقيق، وهناك تفهم لذلك لدى الجانب الإسرائيلي". وقال "لقد كان الهدف الرئيسي أن يتولى لبنان المسؤولية عما يحدث على أراضيه بخاصة المنطقة الملاصقة للشريط الحدودي". وتابع: "أوضحنا لهم جيداً ماذا سيحدث إذا حصل شيء مناقض للاتفاق، وإذا هوجمت إسرائيل، وفهموا بشكل جيد ماذا سيحدث للبنان كدولة (...) سيكون الأمر مختلفاً عن السابق، لأننا الآن نتباحث مع دولة، والآن يتمركز جيش حقيقي في جنوب لبنان، وبالتالي هناك ديناميكية رائعة بين الطواقم التي تحاورت حتى الآن".
وتتماشى هذه التصريحات مع ما أعلنته مصادر في الجيش الإسرائيلي لصحيفة «معاريف»، بأنها ترى في حكومة لبنان الجهة المسؤولة عن حماية الأمن وحفظ الهدوء على أرضها.
وتوقف مراقبون أمام الفارق بين انسحاب الأمس وبين ذاك الذي حصل عام ألفين؛ وقالت «معاريف» إنه، خلافاً لما حصل على الحدود الشمالية خلال الانسحاب السابق فإن الانسحاب هذا المرة كان هادئاً ومنظماً. ونقلت الصحيفة عن أحد جنود لواء غولاني، الذين كانوا في منطقة مارون الراس، "انتهى الكابوس. وآمل ألا أعود إلى لبنان كجندي. يمكنني أن اُقسم فترة وجودنا في لبنان إلى مرحلتين. الأولى، فترة القتال الصعب والموجع؛ والثانية، فترة المكوث من دون فعل أي شيء سوى المراقبة".
أما «يديعوت» فنقلت عن ضباط الجيش الإسرائيلي قولهم إنه خلافاً لعام ألفين، لا يمكن توقع أجواء احتفالية لهذا الانسحاب. ونقلت عن مصدر عسكري قوله "هذا الانسحاب لا يشبه الانسحاب الذي حصل قبل ست سنوات، لا من حيث الشعور ولا على الصعيد العملاني". وأضاف "هذه المرة لم نحتل أراضي. دخلنا في عملية وبقينا في الداخل في إطار تنفيذ قرار سياسي. لن يكون هناك أي مهرجان خروج، بل عملية هادئة".
وبحسب «يديعوت»، فإن القوات الإسرائيلية التي انتشرت على الحدود تستعد الآن لمرحلة ما بعد وقف النار. والتقدير الآخذ في التبلور في المنطقة الشمالية هو أن الأسابيع المقبلة على الأقل ستشهد هدوءاً في جنوب لبنان، وذلك يعود بشكل خاص إلى انشغال حزب الله بتضميد جراحه.
وتضيف الصحيفة أن المستوى السياسي يشاطر المستوى العسكري الشعور بأنه ممنوع الوصول إلى الوضع الذي كان سائداً قبل الحرب. وإذا لم يثبت الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الحزم في نشاطها، فسيُمنح الجيش الإسرائيلي الضوء الأخضر للعمل. وبحسب الصحيفة، يحاولون في الجيش الإسرائيلي أن يوضحوا بأن اسم اللعبة الآن هو منع "العملية المقبلة" من جانب حزب الله قبل أن تحصل، وعدم إتاحة الوقت أمام رجال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله للاستعداد.
وقالت الصحيفة إن أولمرت سيكون سعيداً بعد الانسحاب من لبنان وانتهاء الحرب، إذا استطاع أن يلتقي نظيره اللبناني فؤاد السنيورة، بشكل علني، ولو من أجل بحث استمرار العلاقات بعد الحرب التي انتهت. وتقول الصحيفة إن خياراً كهذا غير واقعي، على الأقل بالنسبة إلى السنيورة، ذلك أن الأمر يتعلق بموضوع لم ينضج مع زعيم مقرب من الغرب من حيث توجهاته لكنه مقيد على مستوى السياسة الداخلية.