زغرتا ــ فيرا يمين
أربعون سنة مرت ولا تزال محكمة زغرتا تنتظر صدور قرار بتعيين قاض ثان ينظر في الدعاوى المكدسة في أدراجها. وإذا، لا سمح الله، تعرض رئيس المحكمة الى عارض صحي أو ما شابه، يتوقف العمل بانتظار شفائه وعودته، وتنتظر معه الدعاوى والشكاوى.

القاضي انطوان الشدياق رئيس محكمة زغرتا عدة مرات، قال لـ«الأخبار» ان معظم الدعاوي التي تعرض على محكمة زغرتا هي ناتجة عن خلافات ونزاعات عقارية على مسائل التعدّي على الملكيات الخاصة، علماً ان نزاعات وخلافات عديدة لم تكن تعرض على المحاكم وهي عائدة الى متخاصمين زغرتاويين أو من أبناء قضاء الزاوية، حيث كانت القيادات السياسية في المنطقة تتدخل لفض هذه النزاعات وإجراء المصالحات في شأنها قبل وصولها الى القضاء والمحاكملئن كان رئيس المحكمة هو القاضي الوحيد الذي ينظر في جميع القضايا، فمن المؤكد ان لا فصل بين ما هو مدني وما هو جزائي، وعوض ان تكون مواعيد الجلسات منسقة يومياً، فهي تتحدد حسب الأشهر، وما على المواطن إلا الصبر وانتظار الفرج، ولا سيما ان سجلّ الوارد الذي تؤسس عليه الدعاوى حافل.
بما ان أكثر من 1000 دعوى مدنية تنتظر حكماً، ويتجاوز عدد الجزائية 2000 دعوى، فيما تبلغ دعاوى الاستئناف حوالى 1500 دعوى، فمن الطبيعي ان تحول كثرة هذه الدعاوى، في ظل الامكانات المتواضعة، دون صدور أي حكم في موعده، على رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها رئيس المحكمة القاضي جوزيف أبو سليمان.
ومن أجل تنظيم النظر في الدعاوى، خُصّص يوم الثلاثاء من كل أسبوع للنظر في الدعاوى الجزائية، من الحادية عشرة صباحاً حتى الثامنة والنصف مساء، والأربعاء للدعاوى المدنية من الصباح حتى الواحدة بعد الظهر، موعد بدء المزايدة التي تستمر حتى الثانية والنصف، يليها الاستجواب حتى السادسة مساء، ليدرس القاضي من بعدها الملفات والبريد حتى العاشرة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فرئيس المحكمة مضطر الى كتابة كل الأحكام بخطّ يده وقد يصل بعضها الى 50 صفحة وأكثر.
وفي وقت ينتظر فيه أرشيف المحكمة وصول المكننة لتنظيم الملفات والدعاوى، وتخفيف الأعباء عن الموظفين الذين لا يتجاوز عددهم أصلاً عشرة، يطالب المحامون باستمرار (عددهم 125 محامياً) مجلس القضاء بضرورة الاسراع في تعيين قاض ثان للفصل بين ما هو مدني وما هو جزائي على غرار مناطق أخرى في الشمال، وبرفع عدد الموظفين من ستة الى عشرة على الأقلّ لتصريف الأعمال بشكل أسرع، والتخفيف من الروتين الإداري.
الواقع التنظيمي للمحكمة ليس أفضل بكثير من حال المبنى، ففي زغرتا لا وجود لقصر عدل بل جناح متواضع في الطبقة الأرضية من سرايا زغرتا، التي تعاني الاهمال شأنها شأن معظم الدوائر الرسمية. والجناح ليس جناحاً بكل معنى الكلمة، بل هو عبارة عن قاعة للمحكمة، وخمس غرف للموظفين والمحامين.
قاعة المحكمة من الداخل فسيحة، لكنها تفتقر إلى الكثير من المقومات الرئيسية، فلا تدفئة شتاءً ولا تبريد صيفاً، وبين انقطاع التيار الكهربائي، وانتظار تشغيل المولّد وقت ضائع لا مفر منه في كل جلسة. وتفتقر القاعة إلى تقنيات الصوت، ما يستدعي رفع الصوت خلال المحاكمة، او الجلسات العادية، فيسمع الموظفون في القاعات المجاورة الحكم، ويأخذون علماً بالاستئناف.
ولماذا ليس من قصر للعدل في زغرتا؟ «المهم بدل ان نبني قصراً ونزيد على الأعباء أعباء، ان نعزز الجهاز البشري من قضاة وموظفين لنخفف من أعباء المواطنين «المكبلين» بالروتين الإداري».