نادر فوز
لم تكتفِ آلة الحرب الإسرائيلية بتهديم البنى التحتية، بل أكملت على المرافق الثقافية في الجنوب وبيروت. عطّلت بعضها ودمّرت بعضها الآخر. المراكز الثقافية المحلية (في القرى) بحاجة اليوم إلى إعادة إعمار أو ترميم حقيقية، بتضامن من جميع الهيئات المسؤولة، بدءاً من وزارة الثقافة، مروراً بالجمعيات الأهلية، وصولاً إلى البلديات

نشأ مدوّن (Blog) «بيبليبان» (Bibliban) خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان بهدف إبراز الأضرار التي أنتجتها العمليات العسكرية على المؤسسات الثقافية في لبنان، وخصوصاً المكتبات، وإعادة تأمين حاجاتها المادية والمعنوية. فقد أدّت الحرب الأخيرة إلى إقفال حوالى ثلاثين مكتبة على مختلف الأراضي اللبنانية، إضافة إلى تدمير خمسين مدرسة وتضرّر ثلاثمئةيضمّ هذا التجمّع عدداً كبيراً من مسؤولي المكتبات في بيروت وجميع المناطق اللبنانية، من المكتبات العامة والجامعية، بالإضافة إلى بعض الأشخاص المهتمين بالشأن الثقافي. وقد أعدّ القيّمون على هذا المشروع ملفاً متكاملاً يتضمّن رؤية لإعادة ترميم وتشغيل المكتبات المتضررة جراء القصف الإسرائيلي، إضافةً إلى تقديرات للخسائر المادية التي لحقت بهذه المكتبات. واختار التجمع عدداً منها في الجنوب وبيروت، وأعدّ لها مسحاً مفصّلاً.
مكتبة حارة حريك، التي تمتد على مساحة 150 متراً مربّعاً، كانت من أكثر المكتبات اللبنانية التي يتردد عليها القرّاء. لم يتم استهدافها مباشرةً، لكنها فقدت كل نوافذها و«تقسيماتها الداخلية»، فانهارت جدرانها وفقدت كل محتوياتها، ومن ضمنها حوالى ألف وخمسمئة كتاب. ويقدّر حجم الخسائر بثمانية وأربعين ألف دولار.
أمّا قرية عيتيت الجنوبية التي يسكنها أربعة آلاف مواطن، والتي تضمّ ثلاث مدارس ابتدائية، فدُمِّر مبنى مكتبتها بشكل كامل، جراء القصف الإسرائيلي المباشر، ما أدّى إلى القضاء على ألفي كتاب وعدد من أجهزة الكومبيوتر. بلدية عيتيت، التي استأجرت مكاناً آخر للمكتبة يمتد على مساحة مئة متر مربّع، تجد نفسها عاجزةً عن إعادة تجهيزها التي تتطلّب ثمانية وخمسين ألف دولار.
اما مكتبة بلدة الطيبة (الجنوب)، فقضى القصف الإسرائيلي الذي استهدفها مباشرةً، على تسعين بالمئة من موجوداتها، أي ما يقدّر بتسعين ألف دولاروفي قرية جباع، طالت الصواريخ الإسرائيلية محيط المكتبة الممتدّة على مساحة 150 متراً مربّعاً. وقد أدّى ذلك إلى تضرّر ثلاثين بالمئة من تجهيزاتها وتدمير كل نوافذها وأبوابها وجدرانها الداخلية. هذه المكتبة التي كانت تضمّ أربعة آلاف كتاب بحاجة إلى ما يقارب الثلاثين ألف دولار لإعادتها إلى حالتها الطبيعية.
أما مجمّع بنت جبيل الثقافي، الذي كان يضم مكتبة القرية ومدرسةً وصالة عرض مسرحي تتسع لخمسمئة شخص، فقد تمّ استهدافه بعدد من الصواريخ أدّت إلى تضرّر صالة العرض والقضاء على تجهيزاتها من مقاعد ومعدّات عرض سينمائي، إضافة إلى فقدان حوالى ألف كتاب. وقدّرت هذه الخسائر بأربعة وأربعين ألف دولار أميركي.
قدّم تجمّع «بيبليبان» بعض الاقتراحات الى وزير الثقافة اللبناني، طارق متري، من أجل دعم المراكز الثقافية المتضررة، مبدياً استعداده لمساعدة الوزارة في هذا المجال. كما تلقى التجمّع العديد من رسائل الدعم والتضامن من فرنسا والدانمارك وإسبانيا.
ويجري العمل اليوم على بناء خطة مع مكتبة البرج لتقديم بعض المساعدات من أجل المساهمة في إعادة تشغيل هذه المكتبات. ولهذه الخطة شقّان: الأوّل يقتضي مساهمة مباشرة من قبل زبائن «البرج»، إن كان بالتبرّع المالي المباشر أو بتقديم كتب. والثاني يكون عبر سياسة ستتّبعها المكتبة بتخصيص عشرة بالمئة من أسعار الكتب المباعة لصندوق «بيبليبان». ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ هذه الخطة في التاسع من تشرين الأول الجاري.
لكنّ محاولة «بيبليبان» لن تكون كافية وحدها للوصول إلى النتيجة المطلوبة، ما لم تُبدِ الدولة والجمعيات الثقافية الأخرى الاهتمام المطلوب.