جوان فرشخ بجالي
لم تكتف إسرائيل في حربها الأخيرة بقتل الأبرياء وتدمير المنازل فحسب، بل استهدفت مواقع أثرية وتاريخية عدة، الأمر الذي يثير التساؤل عن إمكان لبنان مقاضاتها بموجب القانون الدولي على جرائمها ضد التاريخ والآثار.

كثيرة هي المواقع الاثرية والتاريخية التي دمرتها اسرائيل، في محاولة لطمس معالم هوية لطالما نافستها وتفوقت عليها واجتذبت اهتمام المعنيين. أسوار قلعة شمع، ومئذنة مقام النبي شمعون الصفا، المستشفى العسكري البريطاني في الخيام، والوسط التاريخي لمدينة بنت جبيل، هي بعض المواقع التي وجهت اليها اسرائيل صواريخها ومدفعيتها، فحولت آثارها الى دمار، والحجة دوماً أن مقاتلي حزب الله استعملوها مواقع عسكرية.
لبنان، الذي لم يشف بعد من هول صدمة الحرب الاخيرة، لم يعط الملف الاهتمام اللازم والمتابعة المفترضة للبحث عن مدى امكان محاكمة اسرائيل، لا سيما أن الدولتين موقعتان على اتفاقية لاهاي لحماية الإرث الثقافي في فترات النزاع المسلح الصادرة عام 1954. الأستاذة باتي جرستنبليث (Gerstenblith Patty)، مديرة قسم القوانين الدولية للفنون والآثار في جامعة دو بول (De Paul) الاميركية، وهي محامية وعالمة آثار متخصصة في القوانين والتشريعات الدولية للمحافظة على الإرث الثقافي العالمي، أكّدت لـ “الأخبار” أنه لمقاضاة إسرائيل في المحاكم الدولية يجب “إثبات خرقها اتفاقية لاهاي التي هي مع الأسف غامضة بعض الشيء في هذا الاطار. فكما هو معروف، اعترفت الدولتان بالاتفاقية التي تمنع استهداف الاماكن الاثرية إلا إذا استُعملت مواقع عسكرية من احد الاطراف المتنازعة، وإن حصل ذلك وقصفت المواقع فتبرر حينها الاتفاقية الضرر الناتج على انه غير متعمد على الآثار”.
وإذا أثبتت الدولة اللبنانية عدم استعمال مقاتلي “حزب الله” أياً من المواقع الاثرية منصّات لإطلاق الصواريخ او مراكز قتالية، ترى جرستنبليث أن الاجابة تختلف انطلاقاً من الزاوية التي سيطرح فيها الموضوع على المحكمة، بمعنى هل ستجري المحاكمة بالاستناد الى اتفاقية لاهاي او بروتوكولها الثاني. فالقسم الاول من المقطع الرابع من الاتفاقية يؤكد “تعهد الدول الموقعة على المعاهدة احترام التراث الثقافي بالامتناع عن أي عمل عدواني على المواقع التي تمثله”، وهو ما يخولنا القول إنه كان من المفروض تجنيب هذه المواقع المعارك، ويفترض أن يسمح هذا للدولة اللبنانية بتقديم الشكوى امام المحاكم الدولية في لاهاي بعد إثبات أن تدمير إسرائيل للمواقع كان “متعمداً” لا “هفوة”.
وفي هذه الحال، ترى جرستنبليث انه ينبغي على لبنان تقديم الدلائل التي تؤكد أن إسرائيل كانت على علم بأن مقاتلي حزب الله لم يكونوا في هذه المواقع ولم يستعملوها نقاطاً عسكرية، ورغم علمها بأهميتها التاريخية دمرتها عمداً، وهنا، من وجهة نظرها، تكمن صعوبة الموضوع، اذ يجب اثبات “النية” في تدمير التاريخ.
وإذا ما توصلنا الى أنه من شبه المستحيل إدانة إسرائيل بحسب اتفاقية لاهاي، ترى جرستنبليث بصيص نور من خلال تقديم الشكوى امام المحكمة الدولية والمطالبة بتطبيق الملحق الثاني لاتفاقية لاهاي(الصادر عام 1999) الذي يشير في بنده السابع الى أن على “الدول المتنازعة ان تعمل كل ما هو ممكن للتأكد أن الاماكن المستهدفة ليست مناطق ذات طابع ثقافي، وعلى هذه الدول ان تأخذ كل احتياطاتها في اختيار الاهداف وطرق القتال لتفادي، او في اسوأ الحالات تخفيف الاضرار العشوائية للاماكن الثقافية”. ويذهب هذا البروتوكول الى ابعد من ذلك، فيطالب الدول بـ“عدم اتخاذ القرار بعمليات عسكرية قد تسبب أضراراً مباشرة او عشوائية على مواقع ذات اهمية ثقافية”.
وهنا تبرز عقبة جديدة امام لبنان، وهي انه كما إسرائـــيل، لم يــــــــوقع على الملحق الثاني، ومن المســـــــتبعد ان تعــــــترف به إسرائيل الآن، وهو ما يجعل الموضوع اكثر صعوبة وتعقـــــيداً، بالـــــــرغم انه في بعض الحالات تعدّ الاتفاقات الدولـــــــــية بمثابة قوانين تعمل بها المحاكم حتى لو لم تعترف بها الدول.
تاريخياً، لم تسجل في محكمة لاهاي، كما تشير جرستنبليث، الا قضيتان تتعلقان بالتراث الثقافي، الاولى ضد بعض القادة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية، والثانية لمحاكمة القادة الصربيين الذين اعطوا الامر بتدمير الوسط التاريخي لمدينة ديبروفينك، ومكتبة ساراييفو وجسر الموستار التاريخي، وأبنية دينية وأثرية، وحينها جرت الملاحقة القضائية بحسب قانون اقرّته المحكمة العليا الدولية ليوغوسلافيا قديماً لأن الدمار ناتج من حرب اهلية. وفي الوضع اللبناني، الإجابة تكون بقرار المحكمة قبول القضية او رفضها. مما لا شك فيه أن القضية صعبة وشديدة الدقة، لكن الاساس يبقى في توافر الارادة والادارة الفاعلة لمتابعة الملف، والمطالبة للمرة الاولى في التاريخ بمقاضاة اسرائيل على جرائم ارتكبتها ضد تاريخ لبنان، ولا سيما انها من الموقّعين على اتفاقية لاهاي، وهذه سابقة بحد ذاتها حتى لو رفضت المحكمة الدولية الطلب. المهم أن تطالب الدولة اللبنانية بكل حقوقها ولا تتنازل عنها، وإن كان الحصول عليها بعيد الأمد.


إدانة غير مشروعة

كل شخص بريء حتى تثبت إدانته امام المحكمة، لكن قوى الامن تسبق المحكمة لتدين الموقوفين لديها عبر تعميم صورهم. عمّمت أمس صورة لثلاثة شبان موقوفين تصنّفهم بالمجرمين الى الابد...