عمر نشابة
لا جواب حتى الآن من الدولة اللبنانية أو من الدولة السورية لأمّ متعبة جداً ومنهارة لاختفاء ابنها منذ سنين وعدم معرفة شيء عن مصيره. ولا متابعة رسمية جدّية وفعّالة... لماذا؟ هل يجوز ان يتجاهل المسؤولون النداء الطاهر لأمّ تسأل عن مصير انسان حملته في جسدها تسعة شهور ورافقت نموّه وتعرّفه بالدنيا وأعطته كل ما لديها من حنان وعناية وحبّ؟ هل يجوز أن يتناسى المسؤولون السياسيون والأمنيون في لبنان وسوريا أنهم جزء من ثقافة شرقية عربية تعتبر أن “الدنيا أمّ” وان لـ“رضى الله ورضى الوالدين” معاني سامية (لا تقتصر على المسلمين) تدعونا جميعاً الى الاحترام والخشوع أمام أولائك الذين علّمونا أن نخطو الخطوة الاولى وان نلفظ الكلمة الاولى وان نبصر الدنيا للمرّة الأولى. ان في تلك البدايات دائماً طهارة متناهية عشناها جميعاً كما عاشها أيضاً الوزراء والرؤساء والمسؤولون والقياديون وحتى ضباط الاستخبارات والمعلومات...
أستذكر في هذه المناسبة الرسالة التي وجّهها ميشيل عفلق الذي زجّ به حسني الزعيم في سجن المزّة العسكري (11 حزيران 1949)، إذ يقول: “سيّدي دولة الزعيم: أنتم اليوم في مكان الأب لأبناء البلاد، ولا يمكن ان تحملوا حقداً لأبنائكم، وقد كان لنا في هذه التجربة تنبيه كاف ومفيد، فاتركوا لنا المجال كي نصحّح أخطاءنا ونقدم لكم البراهين عن وفائنا وولائنا”. ألا يستحقّ السجناء السياسيون اذا كانوا في سوريا اليوم، فرصة أو “مجالاً كي يصحّحوا أخطاءهم”؟
هل ترضى القيادات، بغضّ النظر عن وجود سجناء سياسيين في سوريا أو لا، ان تترك الامهات وحدهن من دون سلطة مستعدة لتحمّل المسؤولية الانسانية تجاههم وتجاه أبنائهم؟
هناك جهد كبير يبذل الآن من جهات معنية فعلاً بإقفال الملف ويبدو ان هناك أجوبة وصلت أو هي في طريقها الى المعنيين في لبنان. وبمعزل عن كل ما يحصل، المهم هو أمر واحد: من حق أي معتقل ان يعرف مصيره ومن حق أهله ان يكونوا على بيّنة من مصيره وهو ما ليس متوافراً حتى الآن.