انطون الخوري حرب
لقد رتّب تقرير المحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري أجندة القوى السياسية الداخلية. هذا التقرير ينتظره فريق 14 آذار ليبني عليه حملة شعواء على رئيس الجمهورية وسوريا، لكن افتقاره للأسماء وعدم توجيه اتهام مباشر، وتقدير التعاون السوري مع لجنة التحقيق، كل هذا جعل زخم الاكثرية الحاكمة يخفّ ليركن أصحابها الى تصور أساليب جديدة. أما فريق المعارضة الذي خفّت وطأة هجوم أخصامه على موقع الرئاسة الأولى بفعل مضمون التقرير، فبات مرتاحاً أكثر لخطوات المواجهة المطلوبة مع فريق البريستول.
وتبقى مفكّرة الطرفين مشدودة الى عنوان صراعي آخر متمثل بسلاح المقاومة والقرار 1701. وفيما التصعيد مرشح للاستمرار والتضخم بين النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري من جهة وحزب الله من جهة أخرى، ستكون أضواء الساحة المسيحية مركزة على الأدوار التي سيؤديها القادة الموارنة على خلفية الصراع مع المقاومة، حيث يعدّ قائد القوات اللبنانية سمير جعجع نفسه الماروني الأول في فريق الاكثرية وبالتالي تقع على عاتقه مهمة مواجهة الرئيس إميل لحود كيلا تتخذ الحملة طابعاً طائفياً يجعل الرأي العام المسيحي يصطفّ وراء لحود مهما كانت الظروف والمشاعر، إضافة الى إمكان جعجع، إذا انهار لحود، أن يطرح نفسه لخلافته أمام الأكثرية النيابية، أو تكون له الكلمة الأولى في اختيار الرئيس المقبل. وإذا ما تأكدت هذه الوعود لجعجع فهو سيطرح نفسه رأس حربة مارونية في مواجهة حزب الله. أما الرئيس أمين الجميل فقد بدأ يميز نفسه أخيراً وينحو جانباً عن حلبة الصراع ليطرح مشروعاً حوارياً تعلو عناوينه وأولوياته على عناوين الساعة. وهذا الموقف مرشح للاستمرار في إحدى الحالين: بقاء سمير جعجع على وتيرته، وعدم التدني الكبير لحجم التأييد المسيحي للعماد ميشال عون، وبذلك تكون وضعية الجميل على شاكلة “الما بين بين” في ظل كباش سيدور بين باقي الأطراف.
أما العماد عون، فمن المحتّم أن يستمر سلّم أولوياته الذي تتصدّره مهمة حماية موقع الرئاسة الأولى من هيمنة القوى غير المسيحية عليه، وبالتالي عدم السماح بإعادة المسيحيين الى معادلة الغالب والمغلوب التي أرسيت بعد عام 1990، وإبعادهم عن المشاركة الصحيحة والتمثيل الحقيقي في مواقع الدولة.
وفي مقابل جعل المواجهة مع المقاومة مفصلاً أساسياً في خطة القبض على رئاسة الجمهورية، ستكون ورقة التفاهم المشتركة الموقّعة بين التيار الوطني الحر وحزب الله محط تفعيل أكثر، الى جانب حرص عون على تعميم خطواته المقبلة ضمن إطار المواجهة الوطنية حرصاً على شعبيته ومنعاً لانتصار خطة الفريق الآخر. ولا يخفى أن تفعيل التنسيق وتعميقه مع السيد حسن نصر الله يمثّلان حاجة أساسية في المرحلة المقبلة لكسر إمكان تطويقه على المستوى اللبناني وإضعافه على المستوى المسيحي.
أما التجمّعات المسيحية الأخرى الصغيرة الحجم، فإنها سوف تلحق بركاب هذا التيار المسيحي أو ذاك تبعاً لسير الرياح التغييرية المتوقعة. ويبقى موقف بكركي من كل ما سوف تشهده الساحة السياسية على حاله من دون أن تنبثق عن البطريرك الماروني نصر الله صفير خطوة استثنائية لجمع القيادات المسيحية وتحريرها من تحالفاتها والتزاماتها بهدف توحيد النظرة والقرار في ما يختص بالاستحقاق الرئاسي. أما الموقف من سلاح المقاومة، فلن نشهد جديداً في شأنه على صعيد بكركي التي لن تدفع في اتجاه زجّ أبنائها في الصراع بشأنه أكثر، تماشياً مع سياسة بكركي التقليدية بالوقوف على مسافة واحدة من الطوائف غير المسيحية.