ابراهيم الأمين
لم يكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كثير الاهتمام بالكلام الذي يعبر عن تمنيات الاخرين في شأن الوحدة السياسية للشيعة. “لقد انتهى زمن الاختلافات التي تؤدي الى الفرقة. وانا اعرف حق المعرفة الثقة التي يوليني اياها الحزب، بما في ذلك ان انوب عنهم في اي حوار حاسم للقضايا الوطنية الكبرى”. لكن بري الذي يتلمس النار الكامنة في الخطب والمواقف والتوترات الطائفية والمذهبية يشعر بأنه لا بد من مبادرة، ولا بد من خطوة ما.
عندما خطب النائب سعد الحريري في افطاره السياسي الاول، كان الكل ينظر الى الحضور. كان سعد قد عاد لتوه من السعودية وقال كلامه العنيف والعالي النبرة في حضور السفير السعودي عبد العزيز الخوجة. فهل في ذلك ما يمنع على السعودية المبادرة؟
لم يكن بري ليسأل كثيرا، لكن دبلوماسيا عربيا صديقا وقريبا من السفير السعودي قال لرئيس المجلس: “قبل الافطار قلت للسفير السعودي بضرورة تفادي الحضور خشية ان نصبح طرفا. رد الاخير بأنه ليس هناك ما يمنع”. ولم يكن الرجلان يعرفان ما ينوي سعد ان يقوله. وعندما تحدث الاخير التفت السفير السعودي الى نظيره العربي وقال له: “ربما كنت محقا في اقتراحك”. لكن الرجلين انتبها الى عنصر المفاجأة على وجوه كثيرين، ما عدا... فؤاد السنيورة.
كانت الرواية مشجعة لرئيس المجلس لأن يمضي خطوة اخرى في اتجاه الرياض. وهو يتذكر ان عملية اسر الجنديين واندلاع الحرب حصلت بينما كانت السفارة السعودية ترتب حجوزات الوفد المرافق لبري والذي كان في طريقه الى المملكة للقاء الملك وكبار القادة هناك. ثم حصل ما حصل. ومع ان بري كما السفير السعودي لم يتوقفا عن التواصل والكلام والاختلاف. عادا وبحثا في الامر. قال له بري: المطلوب مبادرة سعودية ليس فقط تجاه لبنان بل ايضا تجاه سوريا. واذا لم تفعل السعودية، ذلك فالامور عندنا ستتجه نحو مزيد من التعقيدات. وحمله رسالة بهذا المعنى الى الملك السعودي وفيها ترتيب لزيارة جديدة. وهي الزيارة المرتقبة خلال وقت قريب. وجدول اعمالها بالنسبة لرئيس المجلس من بندين: تعزيز التواصل مع السعودية في ما خص الملف اللبناني الداخلي واقناع الرياض بضرورة ان تتولى قيادة حوار لتحسين العلاقة بين سوريا وبين الفريق الاكثري، وهذه العلاقة هي التي تعيد الامور الى نصابها.
يعتقد رئيس المجلس بأن الاحتقان يذهب نحو حدود غير منطقية. الحكومة لن تكون قادرة على الاستمرار والمطالبة بتغييرها امر منطقي. ويجب ان يكون العماد ميشال عون ضمنها. ويتوقف بري قليلا عند العماد عون ويعبر عن مدى اعجابه بالموقف الذي يمثله جنرال المعارضة بقوله: “قبل ايام كان الرئيس سليم الحص ضيفي، سألته وسألني: هل اخطأنا التقدير في حق هذا الرجل؟” .لم يكن من داع لان اجيبه او ليجيبني. لكن المعنى في قلب الكلام. ويتابع بري: “يوم تشكلت الحكومة الحالية كان هناك تحالف سياسي لم يكن ضمنه، وكنا نقول صراحة اننا نختلف معه في امور كثيرة، ولم يكن هناك من يتوقع مني ان اخوض معركة لعدم تشكيل حكومة من دونه، ولكن اليوم الحال تختلف، واذا فتح الموضوع لن اقبل بأن تتشكل حكومة كالتي تحكم اليوم ولا تحكم. علما انني اجد ان في الحكومة من يحاول القيام بأمور كثيرة وكأنه لا يعرف اننا لن نقبل بها”. وقبل ان يتلقى سؤالا عما تفعله الاكثرية الحاكمة في امور الادارة يرد بري: “هم يعرفونني جيدا. واذا كانوا في صدد المحاصصة التقليدية فأنا صاحب القول: من حضر السوق باع واشترى، وع السكين يا بطيخ، ولن اقبل بأن يحرم من امثل من حقه في كل شيء، ولن اسمح لاحد بأن يفعل ذلك”.
ومع ان بري يعرف ان الامور معقدة الا انه يفترض انه لا بد من علاج: “غدا يأتي الاستحقاق الرئاسي، في اذار المقبل ربما، وفريق الاكثرية يريد انتخاب رئيس له. حسنا من الجانب الاخر هناك ميشال عون. وليس حتى الان من يقول خلاف ذلك. وانا لا افتتح الجلسة الا اذا حضر 86 نائبا. وانا املك الاجتهاد المبني على ما يقوله كبير دستوريينا ادمون رباط. ولن تعقد جلسة لانتخاب الرئيس الا في حضور 86 نائبا. ولا يقول لي احد كلام اخر. واذا كان هناك خلاف على من يكون رئيسنا المقبل لن تعقد الجلسة وبالتالي سنقع في الفراغ. وهذا يعني ببساطة اننا في حاجة الى توافق داخلي اولا، ومع سوريا ثانيا وقبل اي اخر من الخارج. ولهذا انا اقول ان على السعودية ان تساعدنا في الامر”.
وبعد ما الذي يمكن ان يحصل؟ “لا شيء، الان هناك مشروع لحكومة وحدة وطنية وهو امر ممكن، واذا كان البعض لا يريد تحقيق ذلك، ويريدنا ان نصل الى موعد الانتخابات الرئاسية من دون توافق فيعني ان الانتخابات الرئاسية لن تحصل، وامام الفراغ والانقسام لن يبقى عندنا الا خيار واحد وانا اسأل: هل يحل المجلس النيابي نفسه، ونذهب الى انتخابات نيابية مبكرة”؟
لكن بري يعرف ان الابواب لم توصد نهائيا بعد. “ولكن هل نعود فورا الان الى حوار من دون تفاهمات اولية وتمهيدية. انا اعرف ان بمقدوري معالجة الشق المتعلق بحضور السيد حسن (نصرالله) وهو يفوضني التحدث باسمه وبالتالي يمكن دعوة بقية اقطاب الحوار الى الطاولة ولكن ما الذي سنفعله، علما انني كنت افترض انه يمكن البدء من خلال تفاهمات جزئية وثنائية وهو امر ضروري ولكن لا بد من هدف”.
يعرف الرئيس بري جيدا موقعه الحالي في اللعبة السياسية اللبنانية. قد يكون هو المطلوب والمرغوب به من قبل الجميع. فريق الاكثرية يغازله على قاعدة انه “ضمير الحوار” فيما المعارضة ترى فيه شريكا اصليا. وهو يعرف ما في القلوب ويقرأ الشفاه. لكنه ما يزال يحتفظ بود خاص لوليد جنبلاط. ويعتقد ان هناك كثراً تسببوا في وصوله الى موقفه الحالي. ولا يعفي احدا من الامر لا من القريب ولا من البعيد. لكنه يعتقد بأن الاوان آن لمبادرة خاصة.
يقف نبيه بري ساندا ظهره. لكنه يلملم ثعالبه عن الطاولة ويعيدها الى جيبه ويخرج.