راجانا حميّة
أعادت حركة «سوليدا» أمس تسليط الضوء على قضيّة التعذيب في السجون عبر تقرير مفصّل عن انتهاكات حقوق الإنسان حمل عنوان «سجن وزارة الدفاع عائق أساسي أمام منع عمليات التعذيب»، مستندة في إعداده للمادّة الخامسة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينصّ على «عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة من الكرامة»

عرض تقرير «سوليدا» شهادات لمعتقلين سابقين «اختبروا» التعذيب في سجن الوزارة، موجّهاً ثلاث توصيات للحكومة اللبنانية ووزارتي الدفاع والعدل. لكن هل هناك من يسمع؟ وهل هناك من يحترم «المادّة الخامسة» من الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟ قبيل عشر ساعات من المؤتمر الصحافي للإعلان عن التقرير، تعرّض «المكتب المؤقت» لـ«سوليدا» للسرقة، حيث أُخذ جهاز الكومبيوتر والقرص المدمج الذي يحتوي على كل المعلومات والصور المتعلقة بالتقرير وبعمل المنظمة. وبسبب هذه «الزيارة غير المتوقّعة لزوّار غير مرغوب فيهم»، على حد تعبير نائب رئيس الحركة وليد الأسمر، عقد المؤتمر الصحافي خارجاً «أمام باب المكتب» بعدما منع عناصر فرع التحرّي في قوى الأمن الداخلي أحداً من الدخول، لرفع البصمات وإجراء التحقيقات اللازمة.
حضر المؤتمر، إلى جانب الأسمر ، معتقلون سابقون وعدد من الصحافيين، والتزم خلاله الصمت حيال «عمليّة السطو المتعمّدة» وعدم اتهام أحد، مكتفياً بانتظار «ما ستؤول إليه نتائج تحقيقات القوى الأمنية».
أمّا في ما يتعلّق بالتقرير، فأشار الأسمر إلى وجود ست نقاط أساسية تتركز على «التعريف القانوني للتعذيب في لبنان»، إذ اعتبر أن «لا وجود لمسوّغ قانوني يسمح به ممّا يجعل تصنيفه القانوني يراوح بين الجنحة والجريمة»، مندّداً بـ«تصرفات الدولة اللبنانية حيال هذا الموضوع، مع العلم أنّها صادقت في فترة سابقة على معاهدة إلغاء التعذيب».
هذه المعاهدة التي عرّفت التعذيب بأنه «عمل ينتج منه ألم أو عناء شديد جسدياً كان أو عقلياً يُلحق عمداً بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين أو بتحريض منه، وذلك لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه، أو تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين».
ويعرض التقرير أيضاً طرق التعذيب المتّبعة في سجون الوزارة المعنية والتي تراوح بين الاغتصاب والتحرش الجنسي، وربط الضحية بـ«قضيب خشبي دوّار يشبه سيخ الشي ثم تضرب بالعصي (الفروج)»، و«الدولاب»، و «الفلقة»، والضرب بأدوات صلبة، وإطفاء لفافات التبغ في أجزاء من الجسم، والسباب والإهانات اللفظية، والحرمان من الطعام، والحبس الانفرادي لمدة طويلة، وتقييد الحركة، واستخدام أساليب عنيفة في الاستجواب بما في ذلك الصراخ والصياح، والحرمان من الحصول على الأدوية، واستعمال وسائل صدم كهربائية و«البلانكو»، وعقوبة الإعدام.
وخصّص التقرير جزءاً منه لثلاث قضايا تعرض معاناة الضحايا، القضيّة الأولى لـ«جهاد سليمان الذي أُوقف عام 1994 وجرى تعذيبه فترة 90 يوماً لإرغامه على الإدلاء باعترافات ملفّقة»، وأخرى تتناول أحد معتقلي الضنيّة وثالثة لجرجس الخوري الذي أمضى إحدى عشرة سنة وأربعة أشهر في سجن تحت الأرض. ويشرح التقرير أيضاً مراحل اعتقال الخوري بدءاً «من توقيفه الاعتباطي سنتين تقريباً مروراً بالتعذيب الإضافي بسبب مصارحته آنذاك المدّعي العام بما تعرّض له، ووصولاً إلى المحاكمة التي اعتمدت على اعترافاته تحت التعذيب والتي حكم بسببها ثماني سنوات».
وفي ضوء هذه القضايا وغيرها، حمّل التقرير المسؤولية كاملة لسبعة عشر ضابطاً وثلاثة قضاة ثبتت مشاركتهم في عمليات التعذيب، والمسؤولية المعنوية التي تطال جميع الذين تسلّموا السلطة خلال الفترة السابقة على المستوى السياسي والعسكري، مطالباً بمحاكمتهم طبقاً للقانون نفسه وبتطبيق العدالة الحقيقية.
وأسفر التقرير عن مجموعة من التوصيات توزّعت في ثلاثة اتجاهات، ووجّهت إحداها للحكومة اللبنانية مطالبة إياها بنقل «كل توصيات المعاهدة ضد التعذيب في القانون اللبناني، وإقفال جميع مراكز الاعتقال التي يديرها جهاز استخبارات الجيش وخصوصاً سجن وزارة الدفاع، والسماح فوراً للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة جميع مراكز الاعتقال، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع التعذيب في مراكز الاعتقال، والتأكد من أنّ تحقيقاً جدّياً يجري عند كل ادّعاء».
وتوجّه التقرير بمطلب ثان لوزارة العدل، طالب فيه بـ«إنشاء لجنة تحقيق حول ادعاءات التعذيب، ووضع آلية قانونية لمراجعة المحاكمات التي يتعرّض فيها المتهمون للتعذيب، والعمل على احترام المواثيق الدولية في ما يخص المحاكم العسكرية والمجلس العدلي، والتأكد من احترام كل حقوق الضحايا ومن أخذ العقوبات اللازمة في حق مرتكبي جرائم التعذيب».
ومطلب ثالث وأخير لوزارة الدفاع، كرّر المطالبة باتخاذ «الإجراءات اللازمة لمنع التعذيب في جميع المراكز التابعة لها والسماح للمنظمات الإنسانية بزيارتها، والمبادرة بإقفال سجن وزارة الدفاع، والتأكد من توقف العناصر التابعة للوزارة عن تهديد السجناء السابقين، وإعادة كل أغراض هؤلاء السجناء وأوراقهم، والمبادرة بإنشاء لجنة تحقيق داخلية حول اتهامات التعذيب، واتخاذ كل التدابير المسلكية في حق المرتكبين لها».
وأشار الأسمر إلى أنّ التقرير سيتم تقديمه للدولة اللبنانية وللجنة الخاصّة لإلغاء التعذيب في الأمم المتّحدة مرفقةً بأسماء الضبّاط والقضاة الذين ثبت اشتراكهم في هذه «الجريمة».