جورج شاهين
ثمة اجماع لا ريب فيه على كون احدى فقرات البيان الأخير لمجلس المطارنة الموارنة الذي صدر الأربعاء الماضي والتي ربطت بين المطالبة بالتغيير الحكومي والمحكمة الدولية قد عكست المزيد من أجواء الأنقسام المسيحي في مرحلة هي الأدق على اكثر من صعيد، في وقت تحدثت فقرة أخرى من البيان على ان «المصيبة تجمع ولا تفرق»، الأمر الذي دفع الى المزيد من البحث عن الأسباب الموجبة لهذا البيان وعما اذا كان الأوان أوانه.
ففي لقاء جمع بعض المتعاطين بالشأن العام قدم مسؤول حزبي كبير، يقف مراقبا للأحداث منذ فترة غير قصيرة، قراءة في ظروف البيان والأجواء المحيطة به، فقال: «بالأمس القريب القى البابا بنديكتوس السادس عشر محاضرة رائعة في جامعة ريغنسبورغ في ميونيخ بعنوان «العقل والأيمان والجامعة- تأملات وذكريات»، وضمّنها الى جانب قراءة عميقة للروابط بين العقل والايمان، استشهادا بحوار دار عام 1391(بعد المسيح) نقله البروفسور تيودور خوري بين «امبراطور بيزنطي» و«فارسي مثقف» حول المسيحية والاسلام ونظرة كل منهما الى العنف والدين، فجاءت ردات الفعل السلبية على المحاضرة لتظلل على المقاصد الانسانية التي ارادها الحبر الأعظم، وكادت تعيد الى الأذهان ما شهده العالم الاسلامي من مواقف اعقبت ظهور الرسوم الكاريكاتورية في الصحف الدنماركية.
وكما في ميونيخ كذلك في لبنان، قال المسؤول الحزبي نفسه: تكررت التجربة. ففي وقت تسعى مرجعيات سياسية ودينية، ومنهم البطريرك نصرالله صفير نفسه، الى لملمة الصفوف المسيحية وتوجيه المزيد من النصح للوحدة والتعاون بين اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، جاء البيان ليكبح هذه المساعي، كما تلاحقت المواقف من قريطم وبنشعي ومن على جسر الفيدار ومن مواقع اخرى لتزيد الطين بلة، وليتحول مضمون البيان مادة تفسيرات تنصر هذا السياسي على آخر وترفع من اسهم هذا الفريق ضد ذاك.
وأضاف: «هل ان ما جرى كان مقصودا؟ بالطبع لا! فالبطريرك الذي يضع النص شبه النهائي لبيان مجلس المطارنة الموارنة كل شهر يحرص كل الحرص، ومنذ نداء ايلول 2000، على الدقة في صياغة بيانات تتناول شؤونا وطنية داخلية قابلة للتأويل، بحيث يرحب بها اللبنانيون من كل الأطراف، ما عدا تلك التي تتناول القضايا الوطنية الكبرى التي اعقبت الانسحاب الاسرائيلي في ايار من 2000 واغتيال الرئيس رفيق الحريري فــــي شبــــاط 2005 والانــــسحاب الســوري فــــي نيســــان مــــن العــــام نفسه».
وفيما توقف المسؤول الحزبي عند هذه المعادلة توسع النقاش ليتناول الجدل الذي قام خلال الساعات الماضية حول البيان كل من موقعه، فبات مضمونه على كل شفة ولسان، وقال احدهم ان الساحة المسيحية المنقسمة على حد السكين بين قوى وضعت رهاناتها على قاب قوسين او ادنى من الادارة السنية - الشيعية للبلاد باتت مهيأة لكثير من الانقسامات، والأخطر من ذلك انها باتت تروج لمنطق يقارب منطق «القرصنة والالغاء» في التعاطي مع بعضها بعضاً، وتروج ثقافة سياسية لم تعرفها الحياة العامة من قبل، والأمثلة على ذلك لا تحصى، وتشهد بها الجامعات والخلايا الطالبية والرسائل القصيرة على الهاتف الخلوي.
وقال سياسي آخر شارك في اللقاء: ان البطريرك يدرك اكثر من غيره، والتقارير التي يتبرع بها اصحاب الصدقية والمعرفة ببواطن الأمور في الادارة العامة ومصير التوازن فيها، وما يحصل على مستوى هجرة اللبنانيين والمسيحيين خصوصا، الى ما هنالك من المفاسد على اكثر من صعيد، تغني عن التورط في ملف التغيير الحكومي ولا في ملامسة حساسيته.
وانتهى الحديث من دون نتيجة فعلية سوى الاشارة الى ان البطريرك له رأي في الواقع السياسي المسيحي لا يبوح به الا امام عدد قليل من الأصدقاء، ويكتم في صدره الكثير من المعلومات والحقائق التي لم يترجمها بعد في مواقفه، فالى متى؟!.