فاتن الحاج
يجد الطلاب الفلسطينيون هذه السنة أنفسهم مهدّدين بمغادرة مقاعدهم الجامعية بسبب فقدانهم أية مساعدة أو منحة. ويصطدمون بصندوق طلاب يقلّص خدماته بعدما بات بئراً فارغاً لا يجد من يرويه

يقف نبيل أحمد (سنة ثانية هندسة) حائراً أمام خياريْن أحلاهما مر: ترك الاختصاص ــ الحلم أو الوقوع في حلقة دائمة من الديون. فأسرة نبيل «الفقيرة» لا تقوى على تحمل نفقات تعليمه وتغطية القسط في جامعة بيروت العربية الذي طاول هذه السنة ثمانية ملايين و750 ألف ل.ل.، بعدما كان ستة ملايين في السنة الماضيةبدأت المعاناة حين قرر نبيل درس الهندسة فاضطر إلى العمل لمدة سنة كاملة في مهن مضنية قبل الدخول إلى الجامعة. يشرح بحرقة: «عملت في قطاف الزيتون و«التبليط» وغيره، وتمكنت بجهدي الشخصي من أنّ «أحوّش» مبلغاً معيناً، واستطعت بمساهمة من صندوق الطالب (40% من القسط) أن أنجز سنتي الجامعية الأولى. تتوالى الحكاية فصولاً في العطلة الصيفية. يعمل نبيل «دهّاناً» فيجني 1500 دولار أميركي. يُفاجأ بزيادة القسط فيسأل بألم: «من أين سأحضر البقية؟ أمِن صندوق الطلاب الذي اشترط معدلاً للنجاح يصل إلى 75/100، أم من أسرتي التي يعيلها أبي، العامل المياوم، والتي تضم أربعة إخوة، جميعهم تلامذة مدارس؟». ينتظر نبيل التفاتة المؤسسات الإنسانية ودعم منظمة التحرير ووكالة الأونروا ولجوء الجامعة إلى حسومات جدية تنهي فصول المعاناة.
ولأكرم القاسم (سنة ثانية إدارة في جامعة الـ«BCU») حكاية أخرى، فهو لا ينسى كيف كانت والدته تشترك في «جمعيات» لتوفير جزء من القسط، وباعت حُليّها الذهبية التي في حوزتها للغاية نفسها. «فرب الأسرة يعيلها من راتب «فتح»، والإخوة الخمسة أجبروا على ترك الدراسة وواقع المخيم يرثى له، والحرب منعتني من العمل في الصيف»، يسرد أكرم الحكاية ثم يشرد لدى سؤاله عما إذا كان سيكمل الدراسة «لا أعرف، حسب التطورات والأرجح لا».
وفي الجامعة نفسها بقي لوليد حوران فصل دراسي واحد لينال الإجازة في التسويق و«لكن شاءت الظروف أن يكون الفصل الأخير «عويصاً»»، كما يقول وليد الذي تعتمد أسرته على مساعدة بعض الأقارب المغتربين، فيما كانت الأوضاع هذه السنة «مزرية». وبينما يثني على الحسم الذي تقدمه الجامعة للطلاب الفلسطينيين (25% من القسط)، يتساءل عن مقرر اللغة الإنكليزية الإلزامي الذي يكلّف 1800 دولار، قبل البدء بمواد الاختصاص.
توفّر رنا الصادق قسطها بصعوبة في إدارة الأعمال في الجامعة العربية فوالدها سائق تاكسي والوضع «على قد الحال». تطالب رنا «من يدافعون عن الشعب الفلسطيني» بالدعم، «وإن كانت تشعر بأنّه لن يكون هناك نتيجة من تحرّكنا». أما ميسم عينين (سنة ثالثة أدب عربي) فاختارت اختصاصاً لا تحبه لمجرد أنّه أقل كلفة من اختصاص التجارة. وقد فوجئت هذه السنة بزيادة القسط 200 ألف ل.ل. تستغرب عينين تخصيص منح الأونروا فقط للطلاب المتفوقين في الثانوية العامة وتقترح تقسيم المنح على المحتاجين. من جهته، يناشد محمد عابد (سنة أولى اقتصاد وإدارة أعمال) صندوق الطالب التدخل لمساعدتهم لكونهم خمسة إخوة وبعضهم سيضطر إلى اللجوء إلى المعاهد لتخفيف الأعباء.
على صعيد آخر، يترقب الطلاب مساعدات من الدول العربية التي دعمت التلامذة اللبنانيين في مرحلة التعليم العام كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة «فالفلسطينيون هم أبناء آدم»، على حد تعبير أحمد زيدان الذي يدرس هندسة الميكانيك. يرى أحمد أنّ اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني هو الجهة الحيدة التي حرّكت القضية، بغياب تقديمات وكالة الأونروا ومنظمة التحرير. أما رئيس الاتحاد يوسف أحمد فيوضح أنّ الأونروا لم تتبنَّ المرحلة الجامعية التي لا تدخل ضمن برنامجها التعليمي. وتعاني منظمة التحرير منذ سنوات عدة من الشلل. ويلفت إلى أنّ المعاناة بدأت تظهر جلياً في السنوات القليلة الماضية نتيجة الضغط الاقتصادي وبفعل القوانين التي زادت من حدة الأزمة. ومنذ 5 سنوات، يضيف يوسف، قلّصت الأونروا المنح.
يذكر أنّ عدد المستفيدين يبلغ 236 طالباً من أصل 3200 طالب جامعيّ. وهم يتوزّعون بنسبة 40% على الجامعة اللبنانية و40% في الجامعة العربية و20% في بقية الجامعات. ويعقد الاتحاد مؤتمراً صحافياً، الحادية عشرة من قبل ظهر الاثنين المقبل، في مقر نقابة الصحافة تحت عنوان «الجامعيون الفلسطينيون والأزمة الراهنة».