strong>توفي امس الساعة العاشرة والنصف صباحاً في مستشفى الرسول الاعظم الفتى محمد حسين ناجي (مواليد 1995) متأثراً بالطلق الناري الذي أصابه يوم الجمعة السادس من تشرين الاول 2006 في منطقة الرمل العالي على طريق المطار. خلال مواجهات جرت بين الاهالي من جهة والقوى الامنية من جهة اخرى إثر اعتراض المواطنين للقوى الامنية التي كانت تحاول إزالة مخالفات البناء في المنطقة■ مصادر النيران كانت تبعد أكثر من مترين عن الضحايا
■ الطلق في رأس الطفل محمد ناجي لا يرجّح علمياً أنه كان متفجراً كما ادّعى وزير الداخلية بالوكالة
أدلى وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت بتصريحات أول من أمس، أشار فيها الى أربع نقاط اساسية تتعلّق بحقيقة ما حصل في الرمل العالي يوم الجمعة الماضي:
ـ1 إن مطلقي النار ليسوا من عناصر قوى الامن الداخلي؛ ــ2 إن الطلقات التي اصابت المواطنين هي من النوع المتفجّر؛ ــ3؛ إن الإصابات النارية أتت من خلف الضحايا؛ ــ4 إن المسافة التي كانت تفصل مطلق النار عن الضحايا لا تتجاوز مترين.
في نتائج المواجهات، اصيب ثلاثة أشخاص جميعهم تحت سنّ الثامنة عشرة وهم: حسن لطفي سويد (17 سنة) قتل على الفور إثر اصابته بطلقين ناريين أحدهما على “خطّ الإبط الأيمن” والثاني “تحت لوح الكتف اليسرى” بحسب التقرير الطبي للدكتور حسين شحرور؛ ومحمد حسين ناجي (11 سنة) الذي توفي امس صباحاً بعدما قضى نحو 43 ساعة في العناية الفائقة يعاني موتاً سريرياً إثر إصابته بطلق في رأسه “ناحية الصدغ الأيسر”؛ وعلي نبيل العزير (14 سنة) الذي ما زال يعالج في المستشفى إثر إصابته بطلق ناري في بطنه1ــ مطلقو النار
روى مواطنون ممن كانوا في مسرح الجريمة اثناء وقوعها، أن القوى الأمنية اطلقت النار باتجاه الناس. لكن مصدراً أمنياً معنياً قال لـ“الأخبار” إن التحقيقات تشير الى استخدام العناصر اكثر من الف طلقة نارية من مختلف الاسلحة الحربية.
وقال الجريح علي نبيل العزير (14 سنة) لـ“الأخبار”: “أطلق عناصر فرقة الفهود( قوة تدخّل خاصة في قوى الامن الداخلي) النار علينا، أنا عرفتهم لأنهم يلبسون الزي الاسود بينما الدرك يلبسون الرمادي والابيض”. وأضاف العزير أن “الفهود” أطلقوا نيراناً من التلال الرملية المشرفة على طريق المطار من وسط الطريق. وقال المواطن علي صبح، الذي يعمل في محلّ مجاور، إن إطلاق النار مصدره قوى الامن الداخلي وبدأ في الهواء ثمّ تطوّر الى اطلاق نار عشوائي من رشاشات حربية، وهو ما أدّى الى إصابات في صفوف المواطنين. وأشار بعض الشهود الى استخدام رشاشات من نوعين ام 16 (يخلط المواطنون بين بنادق ام 16 وبين بنادق من نوع آخر تسمّى G.3 التي تتوافر عادة مع رجال الدرك) وكلاشنكوف. كما وجدنا بقايا طلقين من نوعين مختلفين.
وعند معاينة المكان ومكان إصابة محمد ناجي، حيث ما زالت هناك آثار لدمائه، لاحظنا وجود أثر لطلقين ناريين في حائط يقع مقابل طريق المطار خلف مكان إصابة ناجي (انظر الصورة). يشير ذلك الى أن مصدر الطلقين هو على الارجح التلال المقابلة.
وقالت الحاجة منيرة عمّار، وهي جدّة الطفل القتيل محمد ناجي، إن مطلقي النار هم من القوى الامنية الذين كانوا على جانب الطريق وفي وسطها. ودلّت على مصدر النيران.
2 ــ نوع الطلقات
ان الطلقات النارية التي اصابت القاصرين الثلاثة ليست من النوع “المتفجّر” كما ذكر الوزير فتفت وبيان قوى الامن الداخلي المرتكز على تقرير الطبيب الشرعي الدكتور نعمة ملاح. وهناك مجموعة معطيات تؤكد عدم صحة القول إن الطلقات من هذا النوع، أهمها:
أولاً: في الصورة الشعاعية لجمجمة الطفل محمد ناجي (انظر الصورة) التي اخذت قبل وفاته، أي قبل تشريح جثّته، نلاحظ آثار الطلق الناري ومجموعة فتات تبيّن لاحقاً أنها، على الأرجح، من غلاف الطلق. واللافت عدم تحطيم الطلق لعظام الجمجمة والفكّ أو الرقبة. ويؤكد خبراء في العلم الجنائي والطبّ الشرعي لـ“الاخبار” أنه انفجر جسم ما داخل الجمجمة، خصوصاً اذا كان مصدره يبعد مسافة مترين كما ذكر الوزير فتفت، يحدث تحطيم لجزء من الجمجمة والنخاع، وذلك لم يحصلثانياً: في كتاب “الاسلحة النارية في الطب الشرعي” للدكتور حسين شحرور (رئيس الجمعية اللبنانية للطبّ الشرعي) تقرأ الفقرة التالية: “هناك استثناء هام لما تقدم يتعلق بتكسير الطلقات التامة التغليف ومثاله الأعيرة المُستعملة في تذخير بنادق 16 M وقد نالت هذه الذخائر تحديداً سمعة سيئة في الصحافة وبين عامة الناس وحتى في الكتابات الطبية، حيث وصفت الجروح الناتجة من هذه الأعيرة بأنها جروح انفجارية، وطبعاً هذا التوصيف خاطئ وخاصة أن الطلق الناري لا ينفجر. ولكن لها خاصية السرعة وعدم الاستقرار والثبات، ويُشّج الطلق من خلال القاعدة. وهذه الخاصية تنتج للطلق خسارة مقادير عالية من طاقته الحركية ما ينتج عنه جروح بليغة جداً”.
3 ــ اتجاه الطلقات
مكان دخول الطلق الناري في جسم الطفل الجريح علي العزير، كما مكان خروج ذلك الطلق، يبدو واضحاً. وقد أصيب في بطنه وهو يركض هارباً من مكان الصدامات بين المواطنين والقوى الامنية. وأكّد علي لـ“الاخبار” أن مطلق النار باتجاهه هو عنصر من القوى الامنية كان “يرشّ” الرصاص عشوائياً.
أما مكان اصابة الضحية محمد ناجي الذي توفي أمس فهو الجهة اليسرى من الرأس لا من الخلف كما يقول فتفت وتقرير قوى الأمن.
ومكان إصابة الضحية حسن لطفي سويد الذي توفي إثر نقله الى المستشفى هو الجنب والظهر.
4 ــ المسافة
المعطيات تشير الى أن الضحية محمد ناجي أصيب بطلق في صدره مصدره يبعد عنه عشرات الامتار لا مترين كما يذكر تقرير قوى الأمن:
أولاً: قال الطفل الجريح علي العزير، إن المسافة التي كانت بينه وبين عنصر “الفهود” الذي كان يطلق النار عشوائياً كانت ابعد من المسافة التي يبعد عنها سريره الحالي في المستشفى عن الباب، وهي مسافة تزيد على أربعة امتار. وشبّه طول المسافة بما بين المستشفى ومطعم “قرية الساحة”، وهي مسافة تزيد على 40 متراً. وقال علي إن عدداً كبيراً من العناصر الامنية كانوا يطلقون النار، منهم من كان على التلال الرملية المجاورة وآخرون كانوا في الشارع.
ثانياً: يوجد في مكان سقوط الطفل محمد ناجي حائط اسمنتي فيه ثقبان استحدثتهما على الارجح طلقات نارية. إن عمق الثقبين لا يزيد على 2 ملم. (انظر في الصورة احد الثقبين) وشكل الثقب يشير الى اتجاه الجسم الذي احدثه. وهذا الاتجاه هو على المستوى الافقي نفسه لمطلق النار المحتمل من جهة الطريق (جهة التلال الرملية حيث كانت العناصر الامنية)، الأمر الذي يدلّ على الأرجح، على أن الطلق كان مباشراً. ويدلّ عمق الثقبين على أن قوة دفع الجسمين الثاقبين لم تكن كبيرة. لذا، إذا كان الطلق نارياًًً يكون إطلاق النار من مسافة تزيد على مترين.
ثالثاً: استقرّ الطلق الناري في رأس الطفل محمد ناجي واستخرج بعد تشريح الجثة في مستشفى الرسول الاعظم. إن استقرار الطلق الناري في رأس ضحية بعمر 11 سنة، وعدم اختراقه للجمجمة أو عدم دخول الطلق الى عمق النخاع دليل اضافي على أن قوة الطلق لم تكن كبيرة وبالتالي فإن مصدرها كان يبعد عن الضحية اكثر من المسافة المذكورة في تقرير قوى الامن وتصريحات الوزير فتفت.
وكانت شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي قد أصدرت يوم الجمعة 6 تشرين الأول بياناً جاء فيه «تبيّن أنّ الفقيد (المواطن حسن لطفي سويد الذي قتل في اليوم نفسه) قد أصيب بطلقين ناريين في الظهر من سلاحين حربيين مختلفين وعن بعد مترين تقريباً، وأن إصابة الجريحين خطرة وهي ناتجة من رصاص متفجّر غير مستعمل لدى قوى الأمن الداخلي وهي عن مسافة مترين أيضاً».
غير أن تقرير الطبيب الشرعي الدكتور حسين شحرور يشير إلى أن سويد «تعرّض للإصابة بطلقين ناريين أحدهما دخل من الخلف تحت لوح الكتف الأيسر ليخرج من الامام على يسار حلمة الثدي الايسر وبشكل مائل، والثاني دخل من أعلى خطّ الابط الايمن ليخرج من فوق حلمة الثدي اليمنى، وكلاهما قد رمي من مسافة بعيدة بدليل غياب كلّي للوشم البارودي».
أما في ما يتعلّق بنتائج تشريح جثة الطفل محمد ناجي الذي توفي أمس، فلم يصدر بيان عن قوى الامن الداخلي لكن صدر تقرير الدكتور شحرور وجاء فيه: «لم تكن الجمجمة مهشمة بالقدر الذي قد يحدثه جسم متفجّر».


ملاحظات على تقرير الطبيب الشرعي

“طلقة متفجّرة”؟