غسان سعود
لا يزال قانون الإثراء غير المشروع، الذي أقرته حكومة الرئيس سليم الحص بتاريخ 27/11/1999 وحمل الرقم 154، حبراً على ورق باستثناء بضع حالات لم تُتابع حتى النهاية. وكانت الضحية الوحيدة لهذا القانون، هي نيابة غابريال المر، حيث وجدت حكومة الرئيس رفيق الحريري بين مواده مخرجاً لهزيمتها السياسية بعد أن تأخّر المر في تقديم تصريح عن أمواله
الأدلة على بقاء القانون حبراً على ورق كثيرة، فبعد الحرب الاسرائيلية، عُلم أن الفريق الهندسي في بنك بيبلوس قدّر الأضرار اللاحقة بجسر الفيدار بـ2,5 مليون دولار، وقدرتها وزارة الأشغال بـ3,5 ملايين دولار تقريباً، في حين بلغ “تقدير مجلس الإنماء والإعمار 5,5 ملايين دولار. هذه الوقائع تأتي في سياق عشرات الأدلة القاطعة على استمرار المسؤولين في السلطة باستغلال مواقعهم لتجيير “الصفقات” للمقربين منهم عائلياً وسياسياً، وسط تجاهل تام واستهزاء بالقانون اللبناني، ولا سيما قانون الإثراء غير المشروع. أصغر الفضائح، عدم نفي الحكومة اللبنانية ما أفيد عن طلب هيئة الإغاثة توزيع الوجبات الغذائية على المتضررين من النازحين وعلى الفقراء أيضاً، ليستفيد أشخاص وأحياء محددة. وكذلك تلزيم إعداد الوجبات الساخنة لمطاعم تنتمي إلى فريق سياسي معين.
واللافت أن ثمة ما يشبه الإجماع الدولي، حتى من قبل الدول الحليفة للأكثرية النيابية، على عدم تقديم مساعدات مالية للدولة اللبنانية خوفاً من “أكلة الجبن” اللبنانيين، الذين يطبقون باحتراف المثل الفرنسي القائل “إن سرقة الدولة ليست سرقة”. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي سيمنع تكرار السرقات التي حصلت، وخصوصاً أن أي تحقيق مالي أو أقلّه تدقيق في حسابات عملية إعادة الإعمار السابقة لم يحصل. والأحاديث كثيرة حول أن تكلفة إعادة بناء مطار بيروت الدولي تجاوزت ثلاثة أضعاف المبلغ الذي قدر بداية. واحتاج صندوق المهجرين إلى ملياري دولار بدلاً من 600 مليون دولار، ودخل إلى مجلس الجنوب قرابة ضعف المبلغ الذي قُدّرَ بداية. ووفقاً لمصادر اقتصادية، بلغ الهدر في مشاريع مجلس الإنماء والإعمار 7 مليارات دولار، إضافة إلى الهدر والسرقات في قطاع الاتصالات والتخابر الدولي غير الشرعي.
وفي القطاع العام، لا يزال غالبية الموظفين يتجاهلون مواد القوانين المرعية الإجراء، وفي مقدمها المادة 351 من قانون العقوبات التي تنص على أن “كل موظف وكل شخص نُدِب إلى خدمة عامة (...) التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أي منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو ما قبل به”.
وفي التقرير الأخير للتفتيش المركزي عن عامي 2004 و 2005، سجلت مخالفات كثيرة تعود على مرتكبيها بإثراء غير مشروع، أبرزها استمرار دفع وزارة التربية مئتين واثنين وعشرين مليون ليرة كبدلات إيجار لمبان توقف استخدامها نهائياً، وإنشاء طرقات لا تتضمن المواصفات المطلوبة وتنفيذ أشغال من دون إعداد ملفات مسبقة لها، ما أدى الى خسارة الرقابة الممكنة على هذه الأعمال.
وسجل التفتيش المركزي زيادة عمال إزالة الثلوج سنة بعد سنة من دون وجود حاجة فعلية لهم، وأكد أن المشاريع المشتركة بين الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية وبعض الدول أو الهيئات المانحة تفتقد للرقابة الدورية عليها أو دراسة الجدوى من إنشاء بعضها والمحافظة على المال العام فيها.
كذلك، ورد في التقرير أن هنالك 6179 موظفاً “غير ضروريين” يتقاسمون أموالاً من الخزينة العامة تحت تسميات مختلفة، يغطيها التوظيف. واللافت عند قراءة نفقات التفتيش المركزي أن قيمة القرطاسية المصروفة عام 2005 سبعة عشر مليون ليرة مقابل نحو مليون ليرة فقط عام 2004.
أما التجهيزات الفنية فارتفعت من نحو ثلاثة ملايين الى أكثر من ثلاثة عشر مليون ليرة، وزادت تعويضات الأعمال الإضافية 376 مليون ليرة، أي بزيادة 49 في المئة عن العام 2004. ويستمر تراجع لبنان من حيث الشفافية المالية. إذ يتبين من خلال تقرير “المنظمـــــــة العالميـــــــة للشفافيـــــة”.
أن لبنان جاء في المرتبة 79 في العام 2003، ثم قفز الى المرتبة 97 في العام 2004 ووصل إلى المرتبة 103 في العام 2005. وفي ظل الانتهاك الفاضح للقانون واستمرار الأكثرية النيابية في تنظيم استغلال السلطة، يستعيد المواطنون كل يوم قول الرئيس الراحل فؤاد شهاب “إن الزعماء السياسيين مستمرون في اعتبار الدولة “بقرة حلوباً” ولا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية أو الطائفية أو الإقليمية، ولا يشعرون بأن الأرض تتحرك من تحتهم. إنهم سيستيقظون يوماً ليروا الثورة في كل مكان”.