راجانا حميّة
هنا، في المربّع الأمني، بالقرب من «مبنى» تلفزيون المنار، توجد مدرسة اسمها «المستقبل»، هذا ما تقوله «لافتة» وضعت على كومة ركام، حائط واحد وبضعة كتب يصمد منها، ولا شيء آخر... إدارة ومعلّمون وطلّاب «انتهوا» ولن يعودوا إلى هنا، مدرستهم لم تقوَ على مواجهة كل هذا الدمار... فأغلقت أبوابها واهبة «ممتلكاتها البشرية» لأخرى.
«المستقبل» كانت الوحيدة التي لم تصمد، الوحيدة التي تركت أبوابها لغيرها في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي شرّعتها منذ الأمس أمام طلّابها.
بالأمس، استقبلت أكثر من تسعين في المئة من مدارس الضاحية «الخاصّة» طلابها، عملاً بالقرار الصادر عن «الاجتماع الموسّع لوزير التربية والتعليم العالي واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي أقر التاسع من تشرين الأول موعداً دراسيّاً عاديّاً». ولم تكترث بعض هذه المدارس لحالة الدمار التي لا تزال بادية عليها، فمدرسة أشبال الساحل الواقعة عند بوّابة المربّع، بدأت دوامها العادي عند السابعة والنصف صباحاً في النصف الباقي منها، واقتصر اليوم الأول فيها على طلّاب «الشهادات المتوسّطة والثانوية»، على أن تلتحق المراحل الأخرى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، لسبب بسيط «لا علاقة له بالحرب، وإنّما بشهر رمضان!».
هذه العودة الخجولة كانت سمة الكثير من المدارس هناك، هدوء مطلق وملاعب فارغة إلاّ من بضعة أطفال يركضون وحركة خفيفة لموظّفين وأهالٍ يقومون بتعبئة الطلبات الخاصّة بـ «كتب الأولاد والقرطاسيّة».
وعودة خجولة لطلّلاب وأيضاً لمعلّمين يتجاهلون بداية العام الدراسي بسبب الظروف المادية «الصعبة»، فهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهرين تقريباً، والأسباب كثيرة، يختصرها المدير المالي في مدرسة القدّيس يوسف ــ حارة حريك نخلة ديب بسبب واحد، أنّ «عدد الطلّاب المسجّلين انخفضت 25 في المائة عمّا كانت عليه السنة الماضية، وهو ما زاد العجز في الصندوق إلى 120 مليون ليرة لبنانية، يضاف إليها 50 مليون عن السنة الماضية». وبسبب هذه الأوضاع، تنتظر «القدّيس يوسف» الفرج، وتضع حدّاً لعودة هؤلاء «إن عادوا» آخر الشهر الجاري.
ولا تقتصر هذه الحالة على القدّيس يوسف، بل تتعدّاها إلى العديد من المدارس حيث انخفضت النسبة في «الليسيه دي زار» من 1143 إلى 950 طالباً، يضاف إليهم 70 طالباً من أوستراليا وكندا وأفريقيا أخذوا إفاداتهم وسافروا».
سلسلة أسباب أخرى مماثلة، جعلت بعض المدارس تتخذ خطوات إضافية «لهذه العودة الميمونة» ومنها تقسيم «العودة» إلى دفعات تبدأ مع المراحل الثانوية والشهادة المتوسّطة، تليها المراحل الأخرى «ريثما ينتهي رمضان وتكتمل بالتالي مستلزماتها من كتب وقرطاسية»،
مدارس «المبرات الخيرية»، المتضرّر الأكبر من الحرب الأخيرة، والتي بلغت قيمة أضرارها المادية حوالى 13 مليون دولار أميركي، حاولت جاهدة، بالأمس، العودة إلى الدراسة في 12 منها، مستثنية مدرستي عيسى ابن مريم والإشراق في الجنوب التي تأجّلت الدراسة فيهما إلى السابع عشر من الشهر الجاري «ريثما يتم تجهيز مدرستي حنين ودبّين البديلتين منهما في الوقت الراهن».
وهناك من «لم يكترث لقرار الاجتماع الموسّع» وبدأ بالدراسة منذ الاثنين الفائت، علماً بأنّها تأخّرت أيضاً نسبة للسنة الماضية، إذ يشير مدير مدرسة القديس جرجس أحمد علامة إلى أنّ «البداية كانت مبكّرة والنهاية سوف تتأخّر أسبوعاً أو اثنين تبعاً للمنهج المعتمد الذي عدِّل ليتلاءم مع الوضع الراهن، إذ أضيفت حصص جديدة تعليمية أو حتى ترفيهية لضمان العودة السليمة للطلّاب بعد هذه الحرب التي كانت في معظمها نفسية». ونظراً للأوضاع الراهنة «المرتبكة»، لجأ العديد من المدارس إلى وضع «خطّة طوارئ» تضمّنت «تكثيفاً للحصص التعليمية وزيادة عدد الساعات من ست إلى سبعة واستعمال بعض أيّام العطل إذا ما استدعت الحاجة».
أمّا بالنسبة إلى المدارس الرسمية التي لا تتعدّى الخمس في الضاحية الجنوبية، فإنّها تلتزم بقرار «16الشهر الجاري للمباشرة ريثما تنتهي أعمال الترميم وينتهي التسجيل».