ابراهيم الأمين
لن يوقع رئيس الجمهورية إميل لحود مشروع التشكيلات القضائية. لا يبدو ان ما قام به الوزير شارل رزق مع الآخرين من فريق الأكثرية الحاكمة متوافقاً مع ما يراه الرئيس لحود مناسباً لوضع البلاد. أما التشكيلات الدبلوماسية فتعاني أمراضاً أكثر استعصاءً، منها ما هو مزمن لا يقدر لحود ولا غيره على علاجه سريعاً، وهي المتصلة اولاً وأخيراً بدور وزارة الخارجية التي تحولت خلال ثلاثة عقود لعبة تتقاذفها السلطات المتعاقبة. وذلك بفضل من تناوب على الحكم من جهة وتناوب قوى الوصاية او الرعاية الخارجية ايضاً.
ولكنّ في التشكيلات أيضاً امراضاً حديثة يمكن علاجها لو ان الأهل قبلوا بالتشخيص، اذ ان في الاكثرية من لا ينام الليل قبل تعيين “زلمته” سفيراً هنا، او قائماً بالاعمال هناك، وحلمه يتصل بكيفية استقباله لاحقاً من هذا السفير او ذاك القائم بالاعمال في هذه الدولة او تلك، عدا عن دول الوصاية، كما ان المندوبين الاميركي والفرنسي جيفري فيلتمان وبرنارد ايمييه لن يقبلا بتشكيلات تقل التصاقاً بهما عما كان عليه الوضع ايام المخابرات السورية.
من جهة اخرى، تبدو التوترات السياسية قابلة لمزيد من التأزم اذا لم يتم إيجاد العلاج الفعلي لها. وهو امر يتصل اولاً وأخيراً بالقوى القادرة على التأثير في قوى الاكثرية محلياً. ويبدو ان زيارة الرئيس نبيه بري الى السعودية لم تصل الى نتائج نهائية. بل هناك كثير من الكلام المنقول عن مصادر مطلعة فيه قدر أعلى من التشاؤم، من باب ان العلاج الوحيد المقترح من جانب فريق الاكثرية يعرض على الآخرين القبول بالأمر الواقع او الخروج من الحكومة نهائياً، علماً بأن مناخات التهدئة التي عمل عليها الرئيس بري ستنتج بعض الهدوء “من فوق”، لكنها لن تغير أي شيء “من تحت”، ولا سيما ان الامور اكثر تعقيداً مما يتوقع كثيرون، ما يفتح الباب مجدداً أمام الحل الأشمل والمتصل بالملف السياسي العام، والذي تندرج تحته ملفات الحكومة والرئاسة والملفات الاخرى، ولا سيما المتصلة منها بالوضع الاقتصادي.
ومع ان بري يحرص على تمايزه في مقاربة الملف الحكومي من خلال عدم رفضه قيام حكومة وحدة وطنية تضم الجميع، الا انه يدعو الى التفاهم مسبقاً على هذه الحكومة برنامجاً وأشخاصاً، وبالتالي ليست هناك ضرورة لكل هذا الاستنفار السياسي بين مؤيّد ومعارض للتغيير الحكومي، وعلى قاعدة العمل على مواجهة خطر الفراغ السياسي والدستوري. لكن ذلك ليس كافياً لتفسير المواقف غير الواضحة من الجانب الآخر، وخصوصاً ان معلومات مصدرها عاصمة خليجية فاعلة تفيد بأن السعودية ترفض، كما الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، تغيير الحكومة الآن، وعدم الاخذ بالمطالب الاخرى. وأعرب المسؤولون في السعودية عن قلقهم من السير في مشروع التغيير لأنه يهدف الى انقلاب سياسي من شأنه إحداث فوضى سياسية وربما غير سياسية في البلاد.
ويبدو ان السعودية لم تقترب بعد من حلول جدية لمشكلتها مع سوريا. والمساعي المفترض ان يبذلها الرئيس بري مع القيادة السورية في هذا المجال تتعلق ايضاً بمحاولة إقناع دمشق بتقديم أسباب لتعاون اوثق مع السعودية في مجالات عدة، لتسهيل استئناف العلاقات بينهما، وهو الامر الضروري لتحقيق وفاق داخلي لبناني.
وبحسب المصادر، فإن النقاش يتعلق أكثر بحل على طريقة “الرزمة”، اذ ان في العالم العربي من يفترض انه في مقابل التغيير الحكومي الهادف الى إشراك آخرين، وخصوصاً التيار الوطني الحر، لا بد من تنازل الطرف الآخر، والحديث يدور هنا عن ملف الرئيس اميل لحود وأهمية موافقة دمشق وحزب الله من جهة والعماد ميشال عون من جهة ثانية، على حصول تغيير رئاسي سريع. وفي مقابل هذه الخطوة، هناك فرصة لتأليف حكومة من نوع جديد تلحظ مصالح الجميع، ويكون الامر مدخلاً الى برنامج علاقات جديدة للبنان مع الخارج، بما يعيد “الاعتبار الى موقع لبنان العربي والدولي” باعتبار ان لحود الآن مقاطع من المجتمع الفاعل عربياً ودولياً.
ويبدو ان لعبة الابتزاز تكبر، إذ إن هناك كثيراً من الكلام الأوروبي والأميركي وحتى العربي، على ربط مؤتمر “بيروت ـــ1” بأمور كثيرة ابرزها حصول تغيير رئاسي. وثمة ضغط مصدره باريس ايضاً، اذ يُعتقد على نطاق واسع بأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك يريد تحقيق “وعد قطعه لعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري” بأن يطيح الرئيس لحود قبل خروجه هو من قصر الاليزيه. وهو يرى أن هناك الكثير من العناصر التي قد تفيده في معركته، من بينها ما هو متوقع بحسب فريق الأكثرية من التقرير المقبل لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس. اذ يتوقع هؤلاء ان يصيب لحود مباشرة او من خلال مساعدين له. وتكثر الشائعات في هذه الفترة عن قرب توقيف عدد آخر من الضباط العاملين في اجهزة ومواقع كانت محسوبة على رئيس الجمهورية. ولذلك فإن شيراك معني بإنجاز معركة الرئاسة قبل منتصف الربيع المقبل. وهذا يعني ان التحالف الداخلي ـــ الفرنسي ـــ الاميركي يريد إنجاز هذا الامر في آذار المقبل. وهؤلاء يريدون من الرئيس بري كما من حزب الله القبول بتسوية لهذا الملف منذ الآن، وإذا ما حصلت هذه التسوية فإن ملف الحكومة يكون قابلاً بصورة تلقائية للتغيير مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، ولا بأس بعد ذلك من إقرار قانون الانتخابات والبحث في انتخابات نيابية جديدة.
وفي هذه النقطة بالذات يبدو ان هناك من يعتقد بأن التوترات الداخلية لن تكون رهن التغيير السياسي، بل رهن امور اخرى غير متحكم بها تماماً من قبل الجميع. وهو امر له بوادره المزعجة، وهو ما أشار إليه أيضاً الرئيس بري في معرض تحذيره من ان استمرار التوتر والقطيعة السياسية سيؤدي في لحظة معينة الى انفجار كبير.
لكن اللافت في كل هذا النقاش، أن في الولايات المتحدة وفي فرنسا وحتى في عواصم عربية كما في فريق الاكثرية، من يناقش الأمر متجاهلاً مصالح فريق كبير من اللبنانيين هو الشارع المسيحي. وإذا كانت كل هذه القوى قد نجحت في وقت سابق في فرض التحالف الرباعي فهو ما أطاحته نهائياً الحرب الاسرائيلية الاخيرة، وهو ما لم يعد وارداً في حسابات الآخرين ولا سيما حزب الله.