ثائر غندور
أدّت أزمة دمج الفرعين الأوّل والثاني في الجامعة اللبنانية عن مقايضة شاملة بين رئيس الجامعة وأساتذة الفروع الثانية. تقضي المقايضة بإنشاء مجمّع خاص بالفروع الثانية، وتقاسم الكليات الموحّدة والعمادات بين الفرعين على طريقة «ستة وستة مكرّر». هل سيبنى المجمّع المستحدث أم سيكون مصيره مثل مجمّعات المناطق؟

مجمّع جديد للفروع الثانية ينضم إلى المجمّعات الجامعية الأربعة التابعة للجامعة اللبنانية. هذا ما خلص إليه اجتماع رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر بأساتذة الفروع الثانية، الدكاترة: بسام الهاشم (التيار الوطني الحرّ)، جورج شلهوب (القوات اللبنانية)، إيلي داغر (حزب الكتائب) وعصام خليفة (الأساتذة المستقلون الديمقراطيون). وقد انبثقت من اللقاء ورقة تحت عنوان «رؤيا للنقاش» سيرفعها شكر إلى وزير التربية والتعليم العالي، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء. ومما جاء في الورقة: «على إثر التقرير الذي نشره مجلس الإنماء والإعمار حول الجامعة اللبنانية والذي أشار فيه إلى ضرورة وجود أربعة مجمعات في بيروت وطرابلس والنبطية وزحلة، وحيث إن هذا الأمر أثار مخاوف مبررة عند عدد من اللبنانيين الساكنين في محافظة جبل لبنان، يهم رئاسة الجامعة اللبنانية أن تؤكد أن هذا التوزيع لا يعني الجامعة اللبنانية التي، في إطار سياستها في الإنماء التربوي الجامعي المتوازن وتأمين التعليم الجامعي الرسمي لكل اللبنانيين في مختلف المناطق (5 مجمعات)، ترى ضرورة وأهمية إنشاء مجمع في جبل لبنان».
ويتوزّع الفرع الثاني على مبنيين، الأول في الفنار ويضم الفروع المتجانسة في إطار نظام التدريس الجديد LMD، كليات العلوم، الصحة العامة، الهندسة، الزراعة (كلية موحدة وتضم الطب البيطري). والثاني في منطقة كسروان ــ جبيل ويضم فروع كليات: الإعلام والتوثيق، الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال، الآداب والعلوم الإنسانية، العلوم الاجتماعية، الفنون الجميلة، والسياحة (موحدة)، وتشير الورقة إلى إمكان إيجاد فرع آخر لكلية السياحة في الحدث.
وفي ما يتعلق بدراسة «الماستر» في بيروت الكبرى، تؤكد الورقة أهمية حشد كل الطاقات البشرية والتجهيزات وتأمين الكتب والدوريات العلمية لتكون موحّدة، على أن تُدرس «الماستر» في مجمعي الحدث الفنار. أما المجمّع الذي سيُستحدث في كسروان ــ جبيل فالحاجة تقضي تدريس «الماستر» فيه كما في بقية الفروع شرط توافر كل المستلزمات الأكاديمية والفنية الضرورية. كما تنصّ الورقة على تقسيم العمادات بين الفروع الأولى والثانية «حسب ما تفترض سياسة الإنماء المتوازن»، أي تسع عمادات في الفرع الأول وثمانٍ في الفرع الثاني، على أن تسجل مشاريع أطروحات الدكتوراه في مراكز العمادات.
ويلفت بعض المتابعين إلى بدء البحث عن أماكن صالحة لتشييد مجمع كسروان ــ جبيل، ومنها قطعة أرض في عمشيت (جبيل) وأخرى واقعة بين المعاملتين والفيدار (كسروان)، وتم التواصل مع وزراء حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» لدعم هذه الورقة حين تُقدم إلى مجلس الوزراء.
واللافت أن التحرك باتجاه إيجاد مجمع للفروع الثانية تبناه ممثلون عن أساتذة هذه الفروع، من دون مشاركة رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية التي يؤكد رئيس هيئتها التنفيذية الدكتور سليم زرازير موافقة الهيئة على مضمون الورقة. كما أن الأساتذة وضعوه مسبقاً في جو طرحهم، و «أنا أؤيده مئة بالمئة»، يقول زرازير. ويضيف: «هؤلاء الأساتذة يعملون انطلاقاً من حرصهم على التوازن المناطقي ووثيقة الوفاق الوطني المقرّة في الطائف».
وسيعرض رئيس الجامعة رؤيته على وزير التربية في الأيام القليلة المقبلة، والتي تشمل أيضاً طرحه البدء بالعمل في مجمّع الفروع الثانية ومجمّعات المناطق (الشمال، الجنوب والبقاع) في أقرب وقت ممكن. كما أنه يلحظ في طرحه ضرورة استكمال مجمّع الحدث ليشمل الفروع الأولى التي بقيت خارجه. ويشير شكر إلى أن تكلفة صيانة وإيجارات مبان لكليات وفروع الجامعة اللبنانية تبلغ سنوياً حوالى عشرين مليار ليرة لبنانية، في حين أن بناء هذه المجمّعات لا يراكم ديوناً إضافية على الدولة اللبنانية.
أما وزير التربية، فرأى أن بناء المجمّعات الجامعية لا يندرج في سلم أولويات الحكومة حالياً، لأسباب عدة، ولا سيما المالية منها. كما أشار إلى عدم وجود قرار بالبدء ببناء هذه المجمّعات، لافتاً إلى أن الأمر يحتاج إلى إعداد سياسة تربوية جديدة، وهذه الدراسة لم يُعمل بها حتى الآن. والجدير ذكره أن الدراسات معدة لمجمّعات الشمال والجنوب والبقاع، كما أن الأراضي متوافرة.
في العودة بالتاريخ إلى الوراء، بدأت الفروع الثانية بالظهور مع بدء الحرب الأهلية عام 1975، وتعذّر انتقال الطلاب من «الشرقية» إلى «الغربية». وتم تشريعها عام 1977، عندما كان الرئيس كميل شمعون وزيراً للتربية. فقد صدر حينها المرسوم رقم 122 الذي قونن التفريع. أما الحديث عن دمج الفرعين الأول والثاني فقد بدأ عقب صدور المخطط التوجيهي للجامعة اللبنانية في عهد حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى عام 1994، والذي قضى بإنشاء مجمّعي الحدث والفنار، بحيث يضم كل مجمع عدداً من الكليات. وعلى هذا الأساس، تم بناء مجمع الحدث الذي لا يحوي جميع كليات الفرع الأول (حيث لا وجود لمبانٍ خاصة بكليات الآداب، الإعلام، معهد العلوم الاجتماعية، التربية...). وكان الطرح في حينها يقضي ببناء مجمع في الفنار يحوي الكليات غير الموجودة في الحدث. لكن رفض مبدأ التوحيد آنذاك قضى على هذا الطرح. فرئيس الجامعة السابق الدكتور إبراهيم قبيسي قال في تصريح له، خلال افتتاح مجمع الحدث، إن هذا مجمع للفروع الأولى. واعتُبر حينها قرار توحيد الفرعين الأول والثاني محاولة من السلطة اللبنانية والوصاية السورية لضرب حركة المعارضة المسيحية الشبابية.