حسن عليق
“إنسانيات ومبادئ، ما تصدقوا، هيدا حكي جرايد، المريض بين إيديكن مثل السيارة عند الميكانيكي”. هذا الكلام ينقله الطبيب وسام ب. عن أحد أساتذته في كلية الطب في إحدى الجامعات في لبنان، “ الذي لا يمثل إلا نسبة ضئيلة تسيء إلى الجسم الطبي” بحسب وسام

أحد العاملين في المجال الطبي تجرأ على الحديث عن تجاوزات بعض الأطباء وهي تنحصر تقريباً في ثلاثة مجالات: الأدوية والمختبرات والاستشفاء. في موضوع الأدوية، يسوِّق الوكلاء منتجاتهم عبر أطباء مقابل هدايا أو أسفار على حساب الشركة، أو حتى عمولات مالية، وبخاصة على أدوية الأمراض المستعصية الباهظة الثمن.
في موضوع المختبرات يذكر المصدر أن بعض الأطباء يتفقون مع مختبر على أن يرسل الطبيب مرضاه إليه حصراً مقابل عمولة تصل إلى 40 % من قيمة الفحوصات. والأخطر، حسب المصدر أن بعض الأطباء الذين يقومون بهذه الأمور يصفون للمريض على سبيل المثال عشرة فحوصات ويرسلونه إلى المختبر الذي يتصل بدوره بالطبيب ويسأله عن الفحوصات المطلوبة. يطلب الطبيب من المختبر إجراء الفحوصات التي يحتاجها لتشخيص حالة المريض، وتكون أقل من العدد المذكور في الوصفة الطبية، على سبيل المثال أربعة من أصل عشرة. يضيف المصدر أن هذا الأمر خداع غير قانوني، ولكنه لا يؤثر على صحة المريض لكون الفحوصات اللازمة تُجرى، لكن هذا الأمر يؤدي إلى رفع فاتورة المريض، وهكذا يقوم المختبر بتأمين النسبة التي يدفعها للأطباء.
الأمر الثالث، والشائع حسب مصدرنا، أن يقوم الطبيب بطلب إضافة من المريض على ما تدفعه الجهات الضامنة.
نقيب الأطباء، الدكتور ماريو عون يعترف بوجود بعض الشوائب في الجسم الطبي، وأن بعض الأطباء تغريهم شركات الأدوية من خلال نسبة مئوية من أسعار أدوية معينة، أو عبر توجيه دعوات للسفر إلى أوروبا أو أمريكا لحضور مؤتمرات طبية. كذلك الأمر بالنسبة إلى موضوع المختبرات وطلب الزيادات على فواتير الجهات الضامنة. ويقر بأنه يعلم بوجود أطباء “يقومون بإجراء عمليات غير مبررة من أجل كسب ربح مالي”، لكنه يوضح أن هذا الأمر قليل جداً ولا يؤدي إلى الوفاة. النقيب يبرر عدم متابعة هذه الأمور بأن النقابة لا تتحرك إلا بناء على شكوى، لكون هذا الأمر يستوجب تحرك النيابة العامة. الشكوى أمام النقابة تتم باصطحاب المشتكي التقارير الطبية والمستندات التي بحوزته إلى مبنى النقابة ويدفع رسم الشكوى 50 ألف ليرة لبنانية.
يقول الدكتور عون إن النقابة تتابع الملفات والشكاوى الموجودة بين يديها إلى الحدود القصوى رغم كل التدخلات السياسية، ويفيد بأنه تم شطب طبيبين عن لائحة النقابة منذ أن أصبح نقيباً للأطباء. أحدهم بسبب تزوير شهادات والآخر بسبب خطأ طبي جسيم أدى إلى الوفاة. كما أن هناك عشرات الأحكام الصادرة عن المجلس التأديبي للنقابة تتراوح العقوبات بين التنبيه وإيقاف أطباء عن العمل مدة تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة أشهر. أسباب هذه الأحكام متنوعة بين الأخطاء الطبية وعدم التوثيق وأخطاء مسلكية. القانون اللبناني يمنع نشر أسماء الأطباء، ولكن النقيب عون يسعى لتعديل القانون ليتمكن المجلس التأديبي من نشر أحكامه كاملة في مبنى النقابة.
يقول النقيب عون إن هذه الأمور “الغريبة عن الجسم الطبي والمسيئة له” تقتضي تحرك الدولة قضائياً، وإعادة هيكلة القطاع الصحي اللبناني بدءاً من إعطاء الطبيب حقه المسلوب من قبل المستشفيات والجهات الضامنة، حيث إن 70 بالمئة من أطباء لبنان لا يزيد مدخولهم على المليون ليرة لبنانية، وإن الضمان الاجتماعي لم يدفع مستحقات الأطباء منذ سنتين، وإن للأطباء حقوقاً مالية في ذمة وزارة الصحة منذ سنة 2000. كذلك الأمر بالنسبة إلى حقوق الأطباء لدى المستشفيات، إذ إن بعضها تبقي أموال الأطباء لديها مدة تصل إلى أكثر من سنة أحياناً. يورد النقيب أنه تجب معالجة هذه الأمور بالتزامن مع تحرك القضاء من أجل معالجة التجاوزات المسيئة للجسم الطبي اللبناني.