طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
برز ملف المهجرين على الساحة اللبنانية بشكل مفاجئ، وهو ما شكّل دافعاً لإعادة طرح الجانب المتعلق منه بمهجري طرابلس والشمال، الذين لم يُطوَ ملفهم بعد. وكانت الحكومات السابقة قد تجاهلت كلياً هذا الملف، في الوقت الذي أغدقت فيه المال على مناطق جبل لبنان عبر نواب المنطقة.
فرغم أنّ مجمل ما دفعه الصندوق المركزي للمهجّرين للمستفيدين منه، منذ تأسيسه في عام 1993 حتى نهاية عام 2003، بلغ 2,041 مليار ليرة لبنانية، حسب إحصاءات رسمية، فإن حصّة طرابلس والشمال لم تتجاوز تكلفة إنجاز المشروع السكني في القبة التي بلغت قرابة 60 مليار ليرة (مع الإشارة إلى أن المرحلة الثالثة من المشروع لم يباشر العمل بها بعد، بسبب عدم تأمين الأموال اللازمة لها). يضاف إلى ذلك الأموال التي دفعت للإخلاءات (بلغت في الشمال قرابة 60 مليون ليرة لبنانية فقط، من أصل نحو 938 مليون ليرة دفعت في لبنان ككل)، في حين بقيت المبالغ المفترض دفعها لأعمال الترميم المنجز وغير المنجز، وإعمار شارع سوريا وسط منطقة التبانة، إما حبراً على ورق، أو دفع جزء منها.
مشروع طرابلس السكني
أمّن المشروع السكني الذي نفّذه الصندوق المركزي للمهجرين في طرابلس، والمعروف بمشروع إعادة إعمار وتأهيل المنطقة الواقعة بين التبانة غرباً والقبة شرقاً، حوالى 818 وحدة سكنية موزعة على 69 بناء و47 محلاً تجارياً، مع مرافق خدمات البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والدينية الخاصة به، وحدائق عامة، ومدرسة تكميلية، ومركز للشرطة، وآخر للدفاع المدني، ومستوصف، وصالة كبيرة للمناسبات، ومركز لإدارة المشروع، إضافة إلى بنى تحتية كاملة وآبار جوفية.
إلا أن هذا المشروع لم ينفّذ منه سوى المرحلتين الأولى والثانية، لأن المرحلة الثالثة التي تضم 4 أبنية سكنية (40 وحدة سكنية)، و8 محال تجارية، لم يباشر العمل بها بعد، وتمّ فقط إخلاء عقارات المنطقة من بعض شاغليها، واستخدامها مواقف للسيارات.
غير أن اللافت في الأمر ان عدداً لا يستهان به من المحاسيب، قد حصل على أكثر من حقه الطبيعي في المشروع السكني. ولا يزال كثيرون من سكان المنطقة يذكرون كيف أن عدداً من المدعومين حصل على أكثر من شقة “بشطارته”، وأنه قام ببيع هذه الشقق أو تأجيرها لاحقاً، رغم أن قسماً كبيراً من أصحاب الحقوق عانى الأمرّين قبل حصوله على حقه في شقة من المشروع، الذي من المفترض أنه أقيم لأمثاله، بعد أن دفع مبالغ كبيرة ذهبت، إما سمسرات، أو إلى ما اطلق عليه “دفع بدل”، من أجل تملك الشقة الموعودة.
الترميم المنجز وغير المنجز
رغم أنّ الأموال التي دفعت للترميم المنجز وغير المنجز على مستوى لبنان كله قد بلغت قرابة 486 مليون ليرة لبنانية، فإنّ نصيب محافظة الشمال لم يتجاوز 40 مليون ليرة، في حين بقيت المبالغ المستحقة لأصحابها تنتظر تأمين الأموال لها، رغم المراجعات والنداءات العديدة التي وجهت إلى المسؤولين، من غير أن تلقى اي تجاوب منهم.
وشهدت الساحة السياسية نقاشاً واسعاً في الموضوع، وصل إلى حد دفع وزراء المهجرين المتعاقبين في السنوات الأخيرة إلى الإفصاح عن أن “حجم الترميم المنجز هائل، ويؤثر على قيمة صرف الليرة اللبنانية”، حسب ما تفيد محاضر جلسات لجنة شؤون المهجرين (مثل جلسة 11 /2 /2006)، مع الإشارة الدائمة في هذه المحاضر إلى أن “عمل وزارة المهجرين أكبر بكثير مما هو متوافر لها من إمكانات مالية”.
باب التبانة
عندما أنشئ الصندوق المركزي للمهجرين عام 1993، كان إعمار منطقة باب التبانة يحتل رأس القائمة في المناطق التي ينبغي إزالة آثار الحرب عنها. إلا أن أكثر من جهة وطرف تدخّلوا لإبقاء الوضع على ما هو عليه.
المفارقة في الأمر أن منطقة باب التبانة التي كانت تسمى “باب الذهب” قبل الحرب، نظراً لنشاط الحركة الاقتصادية فيها، تحولت مع مرور الزمن إلى واحدة من أفقر مناطق المدينة ولبنان، لا يتذكّرها المسؤولون إلا يوم الانتخابات نظراً لكثافتها السكانية.