عرفات حجازي
على رغم أجواء التفاؤل التي يشيعها الرئيس نبيه بري بعد عودته من المملكة العربية السعودية، وتأكيد القيادة السعودية أهمية الاستقرار في لبنان ووجوب تطبيق اتفاق الطائف بحكمة وهدوء، والدعم الاوروبي الذي حمله رئيس وزراء ايطاليا للبنان في الاعمار المادي والسياسي، يسود انطباع عام في البلد ان الوضع السياسي يتحرك على خطين متوازيين، خط المواجهة المفتوحة التي تحضّر لها الفرقاء وتحسّبوا، وخط العودة الى لغة الحوار للخروج من دوامة المأزق الذي يضغط على الجميع. ومع ان هناك من يستبعد لغة الحسم، فإن التوافق المطلوب يستند إلى معادلات وتوازنات دقيقة.
لقد جربت الاكثرية قبل أشهر إسقاط الرئيس إميل لحود لإحكام قبضتها على السلطة وحاولت النزول الى الشارع لتحقيق هذا الهدف لكن ظروف البلد وتعقيدات تركيبته حالت دون ذلك. والآن تحاول الأقلية النيابية اللجوء الى الشارع لإسقاط الحكومة لكنها ستصطدم بالظروف والتعقيدات نفسها، فلا قوى الرابع عشر من آذار تملك الاكثرية المطلوبة لاطاحة لحود والاتيان برئيس جديد من صفوفها ولا خصوم 14 آذار يملكون الاكثرية لاطاحة حكومة الرئيس السنيورة. هذا التعادل السلبي دفع وسيدفع بكل الأطراف الى الاقتناع بأن الازمات الكبرى في لبنان لا مجال لمقاربتها بغير الحوار والتوافق. والحوار اليوم يُطرح كضرورة قصوى وحيوية بعدما وصل الوضع الى حافة الهاوية. يقول مرجع نيابي يعمل حالياً على استنباط آليات للحل بعدما تساوى الجميع في المأزق، إنه لا مكان لتسويات وحلول مجتزأة، فالملفات كلها مترابطة ومتداخلة ومن الصعوبة البت في ملف بمعزل عن ملف آخر، وذلك على رغم قوة الخلاف على ترتيب الأولويات التي يضعها كل طرف، إذ ان قوى 14 آذار تطرح برنامجاً يبدأ بانتخابات رئاسية مبكرة تليها حكومة وحدة وطنية تعد قانون انتخاب، فإجراء انتخابات نيابية جديدة. أما خصوم الأكثرية الحاكمة فيطرحون حكومة وحدة وطنية تعد قانون انتخاب تليه انتخابات نيابية مبكرة ومن ثم تُجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها.
واضح ان الهوة واسعة بين الطرفين وهنا الحاجة الى دور وسيط، وهو ما يقوم به الرئيس بري الذي يعترف بأن تحركه في المرحلة الراهنة لاستئناف عملية الحوار على أسس جديدة ووفق أجندة جديدة يلزمهما دعم دولي وقوة دفع عربية بالتلازم مع تسهيلات من ايران وسوريا وتسليم أطراف الداخل بأن ثمة أثماناً وتضحيات يجب ان يدفعها الجميع لأن الحسم غير ممكن ولا بديل من التوافق والتنازلات المتبادلة. ويعوّل بري كثيراً على التقرير الذي سيقدمه كوفي أنان قريباً والذي سيشجع كما فهم على العودة سريعاً الى الحوار لحل المسائل العالقة وأولها سلاح حزب الله، ويعوّل على مبادرة سعودية ــ مصرية منسّقة ومتحركة على خطين، خط تحسين العلاقات اللبنانية ــ السورية، وخط استئناف الحوار اللبناني ودعم جهود رئيس المجلس النيابي في هذا المجال.
وكشفت مصادر سعودية ان كبار المسؤولين في المملكة تعمّدوا استقبال الرئيس بري وتحديد موعد زيارته أثناء شهر رمضان وقبـــــل عطلة عيد الفطر تقديراً منهم لدقة الظروف التي يجتازها لبنان وكسباً للوقت واستعجال إيجاد المناخات السياســــية الداعمة لدور بري في استكمال الحوارات الثنائية لكسر المأزق الشـــــــــــامل والحؤول دون انزلاق الوضع الى مرحلة الفوضى والأحـــــــــــــداث والاغتيالات التي تفتح اللعبة مجدداً على مخاطر الفتنة والدفع في اتجاه المجهول.
باختصار مبادرة بري الحوارية ستكون صعبة جداً اذا لم تستند الى حاضــــــــــنة عربية مساندة من شروطها إعادة الحرارة الى العلاقات السعودية ــ السورية والمصرية ــ السورية بما يفتح الطريق مجدداً امام تطبيع العلاقات اللبنانية ــ السورية وأمام زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى دمشق.