سجل أيها التاريخ
مها علي عواضة

سجل يا تاريخ، كيف أننا دخلنا من أوسعِ أبوابِك. انزعْ عنك صفاحاتِك المزيفة وارتجلﹾ عنا كيف تسطّر ملاحمُ بناءِ الأوطانِ . لكن، قبلَ أن تبدأ التدوين بددْ مكنوناتِك المصطنعة التي فبركها من ادعوا أنهم صناعُكَ.
اذكرﹾ مقاييس النصر واجعلنا لها معياراً أساسياً. سجلﹾ بدء وجودنا، خُلقْنا تجاراً
جابوْا البحار ليعمروْْا الأرضَ فكان لنا أن حوّلنا هؤلاءِِ الطامعين بجمالِ
أرضِنا الى محاربين. فكنّا محاربين، عُدنا لنزرعَ الأرضَ ونشيّد البنيان فكان لنا جنّة اسمُها لبنان.
سجلْ كيف حوّلنا نقمةَ جمالِنا الى نعمةٍ، لكن الغزاة أبوا إلا أن تكونَ نقمةً فأرادونا لغزوِهم مجابهين. وكنّا نعمَ من جابهَ بل بَنيْنا بيْنَنا وبَينهُم أسواراً من عزائمِنا وأقمْنا بحوراً من دمائِنا.
سجلْ لنا كيف حولنا لعنةََ الطوائفِ إلى ثروةٍ من الحضارة وشيدّنا المساجدَ والكنائسَ، إلا أَنهم أرادونا ملحدينْ مشككينْ، فكنّا مشككين فقط لنثبّت اليقين. سجلْ يا تاريخ ودوّن في محاضرِك الغابرة كيف صرْنا عنواناً لكل مجدٍ، سجلْ لنا هذا العبور واْرخ لنا مراحلَ ذلك المرور وَبينَما أنت تسجل، اذكرْ كلﱠ من طعنَنا في ظهرِنا بسيوفٍ، أيْ سجلْ اسمَ عدوِّنا وعدوِّ عدوِّنا وقريبِنا ولا تنسَ أن تذكرَ طعنةَ صديقِنا ولا تبررْ غدرَ أخينا. وقبلَ أن يجفَّ حبرُكَ وثّقْ ولادتَنا. أسرتُنا عالمية والدُنا مجتمعٌ دوليٌ أمُّنا اسمُها القوميةُ العربية
أشقاؤُنا كثرٌ لا وقتَ لنحصيَ أرقامُهم وُلدنا إبانَ حرب ماتَتْ فيها أسرتُنا وتوفيَ والدُنا ووُئدَت أمّنا واستشهدَ كلﱡ أشقائنا فبتنا الرقمَ الوحيدَ في هذه الأسرةِ وبقيَ لنا منها الانتماءُ .سجلْ كيفَ غدوْنا يتامى سجل أننا لا نموتُ ولا نكون ضحيةً لا نبني منازلنا من شعرٍ وبيعِ كلامٍ . سجلْ أنّنا من لبنانَ حيث الشعب يموتُ ولا يهان من رحمِ أحزانِه يُولِدَ الثورةَ ومن بحرِ همومِه اصطادَ الكرامةَ والعنفوان .


الانقضاض على البلد

وسام اللحام

بغض النظر عن الشخص الذي يشغل هذا الموقع، فإن رئاسة الجمهورية في لبنان أصبحت في شبه غيبوبة تامة بسبب أفعال «الأكثرية» المزعومة التي تنتهك الدستور والأعراف، والتي تضرب عرض الحائط بكل القيم التي يجسدها ميثاق العيش المشترك الذي يقوم بشكل أساسي على مبدأ التوازن والشراكة في الحكم، لا على الهيمنة والتسلط في إدارة شؤون الدولة. فـ «الديموقراطية» اللبنانية وهي ديموقراطية خاصة في بابها، وبالتالي ما يصح في بلد ما على وجه هذه المعمورة لا يصح في لبنان، لأن القواعد التي تحكم اللعبة الديموقراطية في هذه البلدان تختلف كلياً عن تلك الموجودة في وطننا. فلبنان نظامه برلماني، وهذا النظام ــ في المبدأ ــ يجعل رئيس الوزراء الشخص الحقيقي الذي يقوم بأعباء السلطة التنفيذية، لكن هذا الأمر يختلف في لبنان، لأن رئيس الجمهورية ــ الذي يتمتع عادة بصلاحية اسمية فقط في النظام البرلماني ــ هو شريك أساسي في السلطة لأنه لا يمثل شخصه فحسب، بل طائفة بأكملها تجد في هذا الموقع ضمانة لوجودها واستمراريتها. وما يؤكد هذا الأمر هو الدور الفعال والخارج عن المألوف الذي يلعبه رئيس مجلس النواب في الحكم، رغم أن دوراً كهذا غير منصوص عنه في الدستور، أيضاً لأن رئيس مجلس النواب في لبنان يمثل طائفة كبيرة.
«الأكـــــــثرية» تحاول الاستـــئثار بالسلطة من خلال الانقضاض على صلاحيات رئيس الجـــــــمهورية وتهـــــــميش مـــــوقعه من جهـــــــة، وإقـصاء رئيس مجلس الــــــنواب وتحجـيمه من جهة أخرى، وفي هذا الأمر مخالفة فاضحة للفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تؤكد أنه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، وبالتالي وجب على هذه الحكومة المستبدة الرحيل لكي تحل محلها حكومة وحدة وطنية حقيقية.