عمر نشابة
  • دوافع مختلفة وفشل ذريع للإجراءات الأمنية
    أصابت أربع قذائف أطلقها مجهولون مبنى تجارياً والطريق المقابلة له في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، حيث يشدّد عناصر من الجيش وقوى الأمن داخلي وأمن المجلس النيابي وأمن السرايا الحكومية وأمن الأمم المتحدة والأمن الخاص بسوليدير الإجراءات الأمنية عوضاً عن فرع المعلومات ومخابرات الجيش. ويشير هذا الخرق الأمني إلى فشل الإجراءات الأمنية في حماية المواطنين ومنشآتهم، علماً بأن ستة مواطنين أصيبوا في الحادث


    الساعة الثانية والثلث صباح أمس، اصابت قذيفتان مبنى العسيلي التجاري واخترقت إحداهما الزجاج بينما ارتطمت الثانية في الواجهة. وسقطت القذيفتان الأخريان في الشارع المقابل فأصابتا المواطنين الستة وسيارتين كانتا متوقفتين أمام المبنى. ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من الإمساك بمطلقي القذائف.
    وأحدث دوي الانفجارات حالة من الهلع في وسط بيروت وفي الملهيين الليليين (بودا بار واسيا) الواقعين في المبنى الذي كان يعجّ بالزبائن بينما طوّقت الأجهزة الأمنية المكان وانتشرت آليات الجيش وقوى الامن وعناصرهما في الشوارع المحيطة. وعبّر روّاد المنطقة عن استيائهم من عدم وجود إجراءات أمنية كافية لمنع ما حصل، علماً بأن المواطنين يتحمّلون إجراءات التفتيش والحواجز والآليات الكترونية أملاً بأن تُبعد الأخطار وتحمي الناس وتمنع الإرهاب والجريمة.
    وقال مصدر أمني رفيع لـ“الاخبار” أمس، إنه وبناءً على تشابه أوّلي بين شظايا القذائف التي أُطلقت على ثكنة الحلو التابعة لشرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي في شارع المزرعة في الثامن من تشرين الأول الجاري، وشظايا القنابل التي أطلقت صباح أمس في ساحة رياض الصلح، يرجّح أن الجهة الفاعلة هي نفسها. وأضاف المصدر أن الهجومين استهدفا قوى الأمن الداخلي من خلال استهداف ثكناتها العسكرية ووسط البلد، الأماكن التي تعدّ من المسؤوليات الأمنية الأهمّ. وقال “إن الهدف لم يكن بناية العسيلي بل المنطقة التي تقع خلفها، لكن يبدو أن مطلق القذائف كان مستعجلاً للفرار فأطلق القنابل على العجل بدون التصويب بدقّة نحو هدفه”.
    الدوافع المحتملة
    السؤال الرئيسي الذي فرضه الحادث هو: ما هي دوافع مطلقي القذائف على مبنى تجاري وساحة رياض الصلح؟ وهل كان الهدف مبنى الأمم المتحدة (إسكوا)، وهو ما يحمل رسالة الى المنظمة الدولية التي تعاظم دورها العسكري بعد القرار 1701؟ أم أن للأمر صلة بالمراكز الرسمية الموجودة في المكان؟ أو له علاقة بالملاهي الليلية التي تعارض جهات متشددة عملها أصلاً؟ وهل لشهر رمضان علاقة بالأمر؟
    لجهة الدوافع السياسية، فإن مكان الجريمة، اي ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، يضمّ تجمّعاً لأربعة مراكز سياسية وتجارية كبرى: مبنى الإسكوا، والسرايا الحكومية، ومجلس النواب، وسوليدير. وكلّ من هذه المعالم يتمتّع برمزية سياسية خاصّة، وبالتالي فاستهداف ساحة رياض الصلح قد تكون دوافعه مرتبطة بتحذير للدولة اللبنانية وللأمم المتحدة وللقيّمين على سوليدير في آن واحد. ثم إن المبنى المصاب، فيه مكاتب لمؤسسة الوليد بن طلال وفيه أيضاً مكتب الوزير والنائب ميشال فرعون.
    لجهة الدوافع العقائدية، فإن توقيت الجريمة يصادف في آخر عشرة أيام من شهر رمضان الذي يعدّ أهمّ شهر بالنسبة للمسلمين، وهو الشهر الذي يتشدّد خلاله الاصوليون الإسلاميون على ما تدلّ تجارب أنشطة هذه الحركات السابقة، لا سيما أن هذه المجموعات غاضبة من بعض التصرّفات الصادرة عن الغرب ومنها كلام البابا ورسوم الكاريكاتير الدنماركية وخطابات الرئيس الاميركي جورج بوش، إضافة إلى وجود عدد كبير من الساهرين في الملهيين الليليين ووجود الخمر والرقص والإثارة.
    لجهة الدوافع الشخصية فإن المبنى الذي أصيب، والشارع، يحتوي على عدد كبير من الشركات التجارية وملهيين ليليين معروفين في الطبقتين السفلية والعلوية، ويتردّد اليهما رجال اعمال وتجّار وشخصيات معروفة في مجالات الإعلام والفنّ والتجارة والموضة والموسيقى. والمكان معروف بزبائنه الأثرياء، وبالتالي قد يكون احد دوافع إطلاق القنابل على ذلك المبنى بالذات متعلّقاً بمشكلة مع رجال أعمال أو بدوافع شخصية أو مالية أو ربما تنافسية.
    أداة الجريمة
    أبلغت مصادر أمنية رفيعة “الاخبار” أن أداة الجريمة هي عبارة عن قاذف قنابل صغير لم يحدّد طرازه بعد. لكن بعد معاينة متخصّصين في علم الجريمة مكان الحدث والحفر الصغيرة (قطر 25 سنتم تقريباً) التي احدثتها القنابل، يبدو أنها من عيار 40 ملم تطلق على الأرجح من قاذف أميركي الصنع من طراز م79 أو من قاذف ام 18، ورجّح خبير آخر أن تكون عبارة عن قذائف من طراز “إنيرغا” روسية الصنع تطلق من رشاش كلاشنكوف خاص. وتطلق القذائف بشكل منحن لا مباشر، وبالتالي يمكن اطلاق القذائف عن بعد 350 الى 500 متر. ورجّحت جهات أمنية أن مكان إطلاق القنابل كان من أعلى جسر فؤاد شهاب، وفرّ بعدها مطلق النار باتجاه الباشورة أو سليم سلام. كما أشيع أمس، أن مطلق القذائف كان قريباً من جهة التباريس (قرب هوا تشيكن). وعلى أي حال لم تتمكّن السلطات الامنية من القبض عليه أو تحديد هويته أو مكان هروبه أو حتى مكان اطلاق القذائف، برغم وجود نقطة أمنية قريبة جداً من مكان اطلاق القنابل المرجّح كونه على الجسر أو فوق النفق (مدخل زقاق البلاط) أو من الجهة المعاكسة قرب برج الغزال.
    التحقيقات ومسرح الجريمة
    بعد وصول الأجهزة الامنية الى مسرح الجريمة بنصف ساعة، وُضع الشريط الاصفر حوله وعملت الشرطة القضائية وعناصر من الجيش على أخذ العينات وتفحّص المكان. ومع ذلك فإن العديد من المدنيين والصحافيين والعسكريين من مختلف الأجهزة الأمنية دخلوا المسرح بدون منعهم وفق الأصول المرعية. وقال مصدر قضائي رفيع لـ“الأخبار” إن عناصر الأدلّة الجنائية حضرت إلى مكان الحادث وعاينت الأضرار بدقّة وأخذت عينات من شظايا القذائف وباشرت الفحوص المخبرية لتحديد أداة الجريمة وكيفية استخدامها. لكن المصدر أكّد أن لا أدلة لديه على مرتكبي الجريمة حتى الآن، ولا موقوفين قيد التحقيق “ومن المبكر التوصل الى خيوط”. تجدر الإشارة إلى أن المكان الذي وقعت فيه الحادثة يخضع لإجراءات أمنية صارمة من مختلف الأجهزة الأمنية المحلية والدولية أيضاً. وهو يبعد امتاراً عن المجلس النيابي الذي تتولّى أمنه شرطة وحرس خاص به يعدّ بمئات العسكريين المدججين بالسلاح؛ كما يبعد المكان عشرات الأمتار عن السرايا الحكومية التي تتولّى أمنها سرية كاملة من قوى الامن الداخلي. والمكان يبعد عن مقرّ الإسكوا التابع للأمم المتحدة مسافة لا تزيد على 40 متراً حيث تمركزت ملالة ام 113 تابعة للجيش اللبناني، كما تنتشر عناصر من قوى الأمن والجيش الخاصة بحماية المبنى، وتنتشر أيضاً عناصر أمن الأمم المتحدة (المدرّبة تدريباً عسكرياً وأمنياً دولياً) باللباس الأزرق. وكانت الأمم المتحدة قد زادت من إجراءاتها الأمنية ببناء جدار من الجهة الغربية لمبنى الإسكوا، كما وضع جهاز الأمن المخول حمايتها عائقين حديدين ضخمين على الطرقات التي تؤدي إليه.
    إنّ تمكّن مجهولين من إطلاق قنابل على ساحة رياض الصلح يدعو للتساؤل عن جدوى الإجراءات الأمنية المتخذة. ولا سيما أنها لم تحل دون وقوع الجريمة ولم يوقف الفاعلون، وخصوصاً بعد إعلان مصدر أمني رفيع مساء لـ“الاخبار” أن هذا الهجوم “يعدّ جزءاً من أعمال تخريبية تهدف الى إشاعة الارتباك في الوضع الداخلي ونحن على أبواب موسم أعياد”.
    ومساء أمس أعلن وزير الداخلية والبلديات بالوكالة الدكتور أحمد فتفت عن اجتماع استثنائي يعقده اليوم لمجلس الأمن المركزي في مكتبه في وزارة الداخلية عند الثامنة والنصف صباحاً، يخصص للبحث في شأن المستجدات الأمنية الأخيرة. وسيناقش مجلس الوزراء اليوم الوضع الأمني ويتطرّق للحادث الامني الذي وقع صباح أمس وحوادث أمنية اخرى للبحث عن الطرق المناسبة لمكافحة الجريمة وحماية المواطنين.



    من أين أطلقت القذائف؟
    المربّع الأمني المحصّن في وسط بيروت، ساحة رياض الصلح، يتعرّض لهجوم بالقذائف رغم انتشار النقاط الأمنية في محيطه. أفادت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن مطلق النار كان يبعد 350 متراً عن المبنى الذي أصيب