الإجراءات الأمنية المشددة مردها إلى أن الوسط التجاري منطقة أمنية بامتياز، نتيجة وجود مقارّ رسمية أساسية فيها، تتقدمها السرايا الحكومية ومجلس النواب، بالإضافة إلى مقر الأمم المتحدة (الإسكوا)، وكل هذا يستلزم حضوراً أمنياً فاعلاً على كل المستويات، إن لناحية عدد عناصر القوى الأمنية الموجودة، وإن لطبيعة الإجراءات المتبعة، وإن لناحية تقنيات وأجهزة الرقابة.حادثة إلقاء القذائف أمس شكلت صدمة عند المواطنين وجعلهم يطرحون أكثر من علامة استفهام عن كيفية حصول هذا الاختراق الأمني الفاضح، ومن المؤكد أن من يدفع الضرائب ويتحمّل أعباء وتكلفة الأمن في لبنان يهمه استحضار عديد العناصر الأمنية المنتشرة والميزانيات المخصصة لها ولمهامها.
تبلغ ميزانية قوى الأمن في لبنان ما يقارب 370 مليار ليرة، وفي وقت يخصص منها نسبة 6% لمستلزمات التشغيل، تنفق النسبة الباقية وهي 94% على الرواتب. في وسط بيروت، ثلاث جهات مولجة بالحفاظ على الأمن: قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني وجهاز أمن السفارات، الأخير تقتصر مهمته على حراسة الإدارات والمؤسسات والسفارات. أما عديد قوى الأمن المفرزة إلى السرايا الحكومية فيبلغ حوالى250عنصراً، في حين يتجاوز عدد عناصر قوى الأمن والجيش في مجلس النواب مئتي عنصر. هذا بالإضافة إلى أجهزة الأمن الخاص العاملة لدى الشركات والمؤسسات الكبرى.
واللافت أن التقنيات والأجهزة المستخدمة في عملية الرقابة ليست بدائية، وهي بمعظمها حديثة وعصرية. وفي محيط مكان الانفجار، يستخدم عناصر أمن المواقف والمباني جهاز كشف العبوات الناسفة والمواد المتفجّرة، وجهاز كشف الأغراض الحديدية عند تفتيش الأفراد. وهذه التجهيزات تسبّب إزعاجا للمواطنين والمحال التجارية، لكن الجميع عبّر سابقاً عن استعداده لتحمّلها بشرط فعاليتها. وها قد أثبت الاختراق الأمني أمس عدم فاعلية تلك التجهيزات وكأن المواطنين يتحمّلون مضايقات الأمن من دون جدوى.
أضف إلى ذلك، أن كاميرات المراقبة موجودة بكثافة في محيط ساحة رياض الصلح، ورغم ذلك لم تستطع تسجيل صور مطلق القنابل. وكان حراس المواقف قد بدأوا منذ شهرين تقريباً تصوير السيارات عند دخولها إلى الموقف، ولكن الهجوم جاء من خارج المواقف.