• غرائب لبنانية
    ولاء جمال طفيلي

    لبنان، بلد ذو جغرافيا محدودة، لكنه ذو تاريخ كبير عصيّ على الاختزال. تاريخه حافل بالحروب، وبإعادة البناء. السؤال هو الى متى يمكن لهذا البلد أن يقاوم الموت؟
    اليوم، من بعد الحرب الهمجية، التي طالت الحجر والبشر، تكشف المشهد اللبناني عن تمزقات سياسية يندى لها الجبين. وبدلاً من التوحد كانت الفرقة التي أفادت العدو.
    نرى تبجّح القادة والزعماء. هذا الذي يعلّمنا الحرية ومبادئها، وشرف التضحية والصمود، وذاك الذي يتساءل وينتقد الأول، ليزايد عليه بالحرية والشهادة، ويذكّره بماضي أجداده وأسلافه.
    أما الشعب فهو الذي اعتاد على وجود زعيم يتبعه، نجده يردد أقاويل زعيمه، لترى هذه المواقف نفسها، لكن هذه المرة على انتشار عددي أكبر، يتفشى بين الجماهير.
    غريب لبنان، كيف أنه، وحتى في مواجهة هذا العدو، لا يمكنه أن يحزم موقفه. وليست الغرابة محصورة هنا، الغريب أن تجد اللبناني الفرد، أقرب للغريب البعيد من شريكه في المواطنية، وقد يصل القرب به الى حد التآمر ضد اللبناني الآخر.
    غريب هو لبنان، غريب كيف كل ما مر به لم يجعل أبناءه يتّعظون، فلا دروس الحرب علّمتهم شيئاً ولا الصعاب الراهنة التي تجعل من المصير اللبناني برمته في مهب الريح.
    غريب هو لبنان، وغريبون هم أبناؤه الذين يصرون على البحث عن مخارج أزماتهم في الخارج القريب أو الخارج البعيد، فيما حل المشكلة يكمن حصراً في الداخل الخاص بهم.
    الأرجح اننا سنظل ألعوبة بيد هذا الخارج الغريب، ودمية بأيدي أسياد الغرب والشرق.
    الأكثر غرابة أننا ما زلنا نمدّهم بالخيطان كي يحرّكونا كما يشاؤون.

  • إضراب الحكام

    خليل قانصو

    قرأت لأرسطو: «كما أن الإنسان الكامل هو أفضل الحيوانات، فإن الإنسان إذا ابتعد من القانون ومن العدالة يكون أقبحها». إن قتل 600 ألف عراقي منذ الاحتلال، يساوي مجزرة أكثر دموية من تلك التي وقعت في رواندا. إذا كانت الجيوش الغربية الغازية، معبّأة بالكراهية والعنصرية ضد العرب، التي تغذيها الافتراءات التي تروّج لها وسائل الإعلام في الغرب، فماذا يا ترى يلزم حكام العرب، حتى يضربوا عن تنفيذ أوامر السيد الأميركي الذي يرتكب جريمة رهيبة في العراق.
    في فرنسا كان عمال الموانئ يضربون أحياناً دعماً لشعب ينتفض ضد الاستعمار الفرنسي، ولكن ربما تكون الضمائر ماتت في كل مكان، بسبب العولمة.

  • «العالم الثالث»

    آن م. ندّور

    أتذكّر ذلك اليوم الذي خاطبتني فيه، فتاة إفريقية، ذات جنسية أوروبية حديثة، بدا لي أنها ابنة واحدة من عائلات أثرياء الحروب قائلة لي: «أنتم سكان العالم الثالث». كان وقع العبارة، على أذني، ثقيلاً جداً جداً، أصبت معها بالدهشة الممزوجة بالغيظ.
    أجبتها بأسلوبٍ لا يقلُّ لؤماً، وأنت إلى أيّ عالمٍ تنتمين. كان لإجابتي وقع الصاعقة على تلك الفتاة. ثم تابعت: ياصديقتي نحن العالم الثالث، كما تسمّينا، أول من أبدع الحرف، والموسيقى، ومجالس الحكم، والألعاب الرياضية، التي تشكل، اليوم، أساس تطور المجتمعات المدنية في «عالمك» الأول الذي تحبين، وتفتخرين بالانتماء إليه… فهذا العالم الأول بنى حضارته بعرق الشعوب وثرواتهم وآمالهم... هذا العالم الأول ارتقى سلالم الرقي إلى مرتبته الراهنة باستغلال حضارة «العالم الثالث» وإبداعه.
    عبارتها الجارحة لم تبرح فضاء أذنيّ، لدرجة أنني لا زلت أنزف ألماً حتى الساعة، ولدرجةٍ تجعلني أتأمل الخيبة في ما قالته تلك الفتاة العابرة. «سكان العالم الثالث»، سكان «العالم الثالث» فقراء. سكان العالم الثالث يختنق أطفالهم بدخان قمامتهم كل يوم. سكان العالم الثالث تقتلهم الأمراض والأوبئة الجسدية والاجتماعية والفكرية. سكان العالم الثالث يسبحون في بحار ملوثة بشتى النفايات. سكان العالم الثالث يعيشون في نفاق وفوضى مجتمعاتهم. سكان العالم الثالث كدجاجة تحاول أن تكون بجعة. سكان العالم الثالث... أيها السادة، من نحن؟