strong>حمّل رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الحكومة و«الاكثرية الوهمية» مسؤولية المأزق السياسي، ووضع برنامجاً للخروج من هذا المأزق يبدأ بحكومة اتحاد وطني، محذراً من المكابرة والرفض.
عقد عون مؤتمراً صحافياً في نادي الرابية تلا فيه الكلمة التي كان سيلقيها اليوم في مهرجان «التيار الوطني الحر» في ذكرى 13 تشرين الاول الذي ألغي بسبب سوء الاحوال الجوية. وحضر المؤتمر نواب كتلة التغيير والاصلاح وشخصيات سياسية وحزبية وفاعليات.
وقال عون: «في ذلك اليوم، قام الجيش السوري بهجوم شامل على آخر معقل للحرية ليس في لبنان فقط بل في الشرق بأسره، فكانت المرة الأولى في التاريخ التي يحاصَر فيها شعب بكامله من كل الجهات ويعاقب... وذنبه الوحيد أنه طالب بحقوقه البديهيَّة هاتفاً: حرية، سيادة، استقلال... ولم يكن ذلك ليحدث لولا الغطاء الدولي والمحلي». وأكد ان «الثالث عشر من تشرين الأول ظل في وجداننا كرامةَ الخاسرين وذلَّ الرابحين، وكان عاراً تاريخياًً لا يمحى، وصم جبين كل من وقف متفرجاً آنذاك... وكانت جريمة في عنق كل من شارك في سفك دماء الأبرياء»....
أضاف: «أخاطبكم، كما في كل مرة، بعد الثقة الغالية التي منحتموني إياها، في الانتخابات النيابيَّة الماضية، لأؤكد لكم مرة أخرى، وبموجب هذه الثقة، مثابرتنا على الجمع بين اللبنانيين، كل اللبنانيين، في إطار ديموقراطية توافقية عقدنا العزم على تحقيقها، بعيداً عن كل أشكال الطائفيَّة والمذهبيَّة والعنصريَّة وكل ما من شأنه أن يفرِّق بين أبناء الوطن الواحد، وهذا ما جعلنا أكثر صلابة في مواقفنا إزاء كل القضايا الوطنيَّة، مرجّحين دوماً كفّة الحوار على التشنّجات، والدستور على المزاجيات، أساساً لحل أي نزاعات.
وكانت لنا رؤيتنا الاستراتيجية، التي تجسدت في المبادئ والمنطلقات التي تضمَّنها ميثاق التيّار الوطني الحرّ وخطابنا التأسيسي، وكذلك في ورقة التفاهم مع حزب الله، التي أردناها، الى كونها غاية في ذاتها، على أهميتها، منطلقاً لحوار جدي وبنّاء، طالما سعينا الى تحقيقه مع الأفرقاء اللبنانيين كافة».
ولفت الى «أن بعض الذين يستأثرون بالسلطة اليوم ويعملون على تهميشكم، هم أنفسهم من وقف ضد إرادتكم يومذاك، وهمّش دوركم وأمعن في إذلالكملذا فإننا نعلن أمامكم، وبكل اعتزاز، أنه بفضل شهدائنا الأبرار، أولئك الذين نحيي ذكراهم اليوم، وبفضل صمودكم ومثابرتكم على النضال، تحرّر لبنان... وكانت عودة السيادة والاستقلال، وكانت استعادة القرار الحر... هذا القرار الذي نخشى أن نفقدَه مجدداً جراء شرود سياسي، بل سياحة سياسيّة في العواصم الغريبة».
وأشار الى اننا «كنا نودّ، بعدما وضعت الحرب أوزارها، أن نبدأ معاً ورشة البناء، نحن المؤمنين بإرادة الحياة، المترفعين عن سلبيّات الحرب ومنطق الثأر والحقد والكراهية، لكننا، ويا للأسف، فوجئنا بأن من تحررنا منه في عنجر عاد وظهر في غير مكان، حيث ضُرب بالدستور عرض الحائط، وكلُّ ما من شأنه أن يشير الى بقاء الدولة واستمراريتها، وبقي البيان الوزاري كأساً فارغة لا تروي ظمأ».
واعتبر ان «الحكومة الراهنة، المنبثقة من أكثريَّة وهميّة، تُشَرْعِنُ اللامبالاة إزاء هموم الناس ومتطلباتهم، فتعيث في البلاد فساداً، وتسخِّر أموال الدولة والشعب، وأعادت البلاد الى سياسة المحاور»، مؤكداً ان «هذه الحكومة إنما تفتقد بتكوينها الى شمولية تمثيل اللبنانيين، لذلك هي لا توحي بالطمأنينة. وتفتقد بقراراتها الى شمولية المنفعة، ما يضفي عليها صبغة فئويَّة. وهي كذلك أحادية في أخذ القرارات المصيرية. ناهيك عن تعطيلها دور مؤسسات الرقابة كافة، التي هي في النظم الديموقراطيَّة أساس الدولة وأعمدتها».
ورداً على ما يقال من انه بتغيير الحكومة سيقع الفراغ، أوضح عون ان الفراغ قائم «من خلال بيان وزاري لم ينفَّذ منه حرف واحد، ومن خلال انحطاط في الأداء يتجاوز حدود الخطأ المعقول الى التصميم المبرمج للاستفزاز»، مؤكداً انه «لم ولن نتوانى عن تحميل هذه الحكومة كل تطور سلبي قد تشهده البلاد».
وقال: «لقد ظهر الفراغ في أدائها حين تخلت عن دورها في التصدي للعدوان لتقوم بدور الوسيط بين المقاومة والأمم المتحدة، وتهرّبت من أداء مهماتها الانسانية والاغاثية، ولولا تضامن المجتمع المدني لوقعت الكارثة الكبرى».
وشدد على ان «الرغبة في التغيير والإصلاح باتت حالة متعاظمة على امتداد الوطن لا يوقفها أي مانع من أي نوع كان».
واعتبر عون ان «بناء الدولـة وإصلاحها يتمّان بتعزيز حكم القانون من خلال فصل السلطات، لِما يؤمّنه من توازن وتكامل وآليات رقابة ومساءلة، أما ضمان السيادة والاستقلال فيتحقق بتلازم الوحدة الوطنية وحكم القانون، ومن خلال تكريس مبدأ التوافق وتعزيزه ونشره، فلا يكون تفرّد أو استئثار أو طغيان أكثرية حاكمة على أقلية مهمشة ومقموعة. وأخيراً من خلال إقرار قانون عصري للانتخاب يضمن صحة التمثيل ويحدّ من تأثير عوامل المال السياسي والعصبية الطائفية، ويؤمّن الإفادة من فرص متكافئة في الإعلام، ويفعّل النشاط السياسي والحزبي، ويشكّل آليّة لتجديد الحياة السياسية، ويحقق مشاركة اللبنانيين المقيمين في الخارج».
وإذ لفت الى ان «من المستحيلات أن تبنى دولة تقوم على الفساد والرشوة»، رأى ان «من واجبنا أن يتركز العمل على فصل المال عن السلطة، ليتحول المال إلى اقتصاد منتج ولتتحول السلطة إلى دولة عادلة».
وشدد على «إعادة الاعتبار للخدمة العامة ورفع مستوى جودتها وتحديثها، واستعادة الثقة المفقودة بين اللبنانيين ودولتهم وذلك بعدم تسييس الإدارة، والإقلاع عن المحاصصة، وبإقرار مبدأ التعامل على أساس المواطنية والكفاءة عبر احترام القانون وصلاحيات المؤسسات المختصة بالتعيين والترقية والرقابة». واعتبر «ان الأمن الحقيقي ليس أمناً فئوياً، كما درج البعض على وصفه»، داعياً الى «إعادة الاعتبار إلى صدقية الجهاز الأمني اللبناني وفصله عن السياسة».
ورأى ان الديون تراكمت «على لبنان بسبب ضمور النمو الاقتصادي، فشهد توسعاً مروعاً في الهجرة، وتعمّق عجز مبادلاته الخارجية. وهو يقف اليوم أمام تحديين توأمين: نمو معطَّل، وأعباء مالية رازحة»، معتبراً ان «اقتصاد التنمية منوط بتعزيز القدرات المالية والتكنولوجية والتسويقية للمؤسسات الإنتاجية، وبإدارة عمليات الخصخصة بكل جدية، وبمحاربة الاحتكارات ومواقع الريع، سواء كانت في القطاع العام أو في القطاع الخاص».
وشدد عون على ان «من حق لبنان الذي عاد سيداً حراً مستقلاً أن يستعمل مختلف الوسائل لمواجهة كل اعتداء على أرضه وشعبه، أو كل تدخل في شؤونه الداخلية»، لافتاً الى ان «ثمة تحديات كثيرة تواجهنا اليوم ولا سيما منها حرب تموز وما كشفته لنا من مشكلات»، مؤكداً «أن ما حققه اللبنانيون عبر مقاومتهم، بكل أشكالها العسكرية والمدنية هو انتصار حقيقي أعاد الاعتبار الى القضية اللبنانيّة بحيث لم يعد لبنان جائزة ترضية لأحد ولا ساحة أو ممراً سهلاً للمؤامرات والتسويات على حساب سيادته واستقلاله وكرامة شعبه».
وعن العلاقات اللبنانية ــ السورية أكد عون أننا «نريدها علاقات طبيعية وصحيحة وذلك بمراجعة الماضي وأخذ العبر منه، ورفض العودة إليه وإلى أي شكل من أشكال الوصاية»، معتبراً «ان هذه العلاقات تستوجب أيضاً إرساءها على قواعد السيادة الوطنية والاستقلال، والاحترام المتبادل، والندية، وحفظ المصالح المشروعة والمشتركة. وهذا يقتضي تثبيت لبنانية مزارع شبعا وترسيم كل الحدود بين الدولتين وضبطها، وكشف مصير اللبنانيين المعتقلين في سوريا وإطلاقهم. ويجب اعتماد التمثيل الديبلوماسي بين الدولتين، ونقل العلاقات السياسية إلى المستويات الرسمية والمؤسسية. وفي هذا السياق يصبح في الإمكان مراجعة الاتفاقات المعقودة وإعادة تأسيسها على مبدأ التكافؤ ومصالح البلدين».
وأكد التصميم «على إطلاق حوار جاد وسريع مع السلطة الفلسطينية وممثليها في لبنان من أجل معالجة شاملة للملف الفلسطيني بهدف تأمين ظروف معيشية طبيعية داخل المخيمات بما يؤدي إلى سحب هذا السلاح والترتيب السريع للوضع الأمني داخل المخيمات ويحقق فرض سلطة الدولة واحترام قوانينها».
وشدد عون على «أن خيار لبنان هو التطلع إلى سلام حقيقي يتخطى إنهاء حالة الحرب، ويؤسَّس على العدالة والشمولية فتقبله الشعوب»، مؤكداً إمكان تحقيق هذا السلام من خلال المبادرة العربية التي أقرّت في قمة بيروت.
وأكد أن المقاومة السياسية والعسكرية أثبتت جدواها في حرب تموز العدوانيَّة الأخيرة، مشيراً الى ان اللبنانيين تشاركوا في أثمان التحرير، وهم مدعوون اليوم لحماية لبنان وصون سيادته وحفظ كيانه فيعملوا مجتمعين متضامنين لأجل استتباب الهدوء على الحدود وفرض سلطة الدولة الفعلية على كل التراب الوطني، وذلك من خلال تطبيق القرار 1701 الذي يتضمن:
تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر وإطلاق الأسرى اللبنانيين في إسرائيل وضمان وقف الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء والمياه والأراضي اللبنانية.
وأكد «أنّ حماية لبنان هي مسؤولية وطنية يتقاسم أعباءها اللبنانيون ويتوافقون عليها من خلال حوار وطني جامع، فيحددون خطة دبلوماسية واستراتجيا دفاعية تُعتمد في مؤسسات الدولة الشرعية، وسلاح حزب الله يندرج في هذا الإطار»، معتبراً ان «هذا السلاح، الذي ما وجد إلا للدفاع عن لبنان، هو مؤقت. وقد سعينا إلى إيجاد الإطار الملائم، والظروف الموضوعية التي تنهي دوره، وذلك بإقامة الدولة القادرة والعادلة التي حددناها في ورقة التفاهم، والنابعة من قناعاتنا الوطنية وحاجاتنا. وما يقال خارج هذا الإطار ليس سوى لمآرب خاصة لا تتخطى الرغبة في التسلط وإثارة العصبيات»، مؤكداً ان «الكلام عن دولة اسلامية وما الى ذلك من انقلابات واستعمال سلاح وفوضى، ما هو الا لتعزيز الخوف ونشر الرعب في البلاد بغية إبقاء اللبنانيين في شرانق مقفلة تخشى الدخول في السلام وتكتفي بالانعزال».
وأكد «تطلّعه مع سائر اللبنانيين إلى كشف الحقيقة عن كل الجرائم الإرهابية التي هزّت ضمير اللبنانيين وطالت استقرارهم... وإحقاق العدالة».
ورأى «ان المسار الطبيعي لبناء الوفاق الوطني والسلطة الوطنية القادرة يبدأ بتأليف حكومة اتحاد وطني تعمل على إقرار قانون انتخابي جديد ضمن المواصفات التي ذكرنا، وإحياء المجلس الدستوري، ويقوم المجلس النيابي الجديد بانتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم يعمد الرئيس المنتخب الى تأليف حكومة جديدة وفقاً للدستور والأعراف».
وقال: «عبثاً يتشبث البعض بشرعية ما هو قائم، بالادعاء بأن دول العالم تتعاطى مع هذه السلطة وتعترف بها، ونحن سنتعاطى بتحفظ مع كل سلطة خارجية لا تحترم مقومات الديموقراطية الحقة وآن للجميع أن يفهموا أننا لن نقبل بالاعتداء المتمادي على حقوقنا».
وأشار الى ان «طاولة الحوار في المجلس النيابي فشلت لأنها رفضت معالجة الأمور بمقاربة تصلح ما أفسدته الانتخابات من تأسيس للسلطة الحرة، واستُعملت لتغطية فشل الحكومة»، محذراً من أن «يضيعوا آخر فرصة متاحة لهم لبناء الوطن، وندعوهم اليوم أيضاً الى عدم المكابرة والرفض».


لقاء مهم قريباً

استهل العماد عون خطابه بالقول «أعادنا الرعد، بالصوت، إلى 13 تشرين الأول 1990». وأوضح أن الأمطار عطلت جهاز الصوت والأجهزة الكهربائية، فتعطَّل البث التلفزيوني وأجبر المنظمين على إلغاء الاحتفال.
وشكر كل الذين حضروا، قبل أن يعدهم بلقاء معهم في مناسبة قريبة، قال عون إنها ستكون مهمة جداً.
وخلال إلقائه الكلمة التي كانت مكتوبة واستندت إلى أقوال سبق أن كتبها في النشرة اللبنانية. كانت ملامح الفرح تغطي وجه النائب عباس هاشم، أما زميله النائب نعمة الله أبي نصر فكان يبدو عابساً حتى وصل العماد عون إلى الكلام على الوجود الفلسطيني، فتغيرت ملامح النائب الكسرواني».


اهتمام بالإعلاميين

بدا لافتاً، للمرة الأولى في نشاطات التيار، أسلوب عمل لجنة الإعلام، التي واكبت النشاط بطريقة مميزة جداً. فإلى جانب إصدار بطاقات خاصة بالإعلاميين وُزعت قبل يوم من المهرجان، عملت اللجنة على الاتصال بالاعلاميين لإبلاغهم بالتغييرات التي طرأت، والاطمئنان إلى إمكانية وصولهم في الوقت المحدد. وخلافاً للعادة أيضاً، كان تعامل المسؤولين عن الأمن مع الصحافيين مميزاً وهادئاً، ولم يُسجل أي انتقاد من الإعلاميين.
وعمدت اللجنة إلى توزيع كلمة عون على أقراص مدمجة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. وأوضح رئيس لجنة الإعلام، أنطوان مخيبر، أن التعامل مع الإعلاميين سيكون بهذه الطريقة من الآن وصاعداً.